قوله: ( إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما ) الهم يحتمل عدة معان فقد يراد به العزم ،وقد يراد به الفكر ،وقد يراد به حديث النفس ،وقيل غير ذلك .والطائفتان اللتان همتا بالفشل وهو الجبنن والخور ،هما حيان من الأنصار وهما بنو سلمة من الخزرج وبنو حارثة من الأوس ،وذلك لما انهزم عبد الله بن أبي بن سلول ،همت الطائفتان باتباعه لكن الله عصمهم فثبتوا مع الرسول صلى الله عليه و سلم ،وهذا مقتضى قوله: ( والله وليهما ){[575]} .
قوله: ( وعلى الله فليتوكل المؤمنون ) الله جل جلاله يدعو عباده المؤمنين أن لا يركنوا إلا إلى جنابه العظيم ،وأن يعتمدوا عليه في كل الملمات والأهوال ،فهم لا يدهمهم داهم عصيب ،ولا تقرعهم نائبة من النوائب إلا توجهوا بقلوبهم إلى الله وحده ،فهو وليهم وحافظهم ومثبتهم .وهو الذي يبدد عدوهم ويثير في نفسه الهلع والذعر ليبوء بالهزيمة والفشل ،فلا ينبغي للمؤمنين بعد هذا النداء الرباني المجلجل أن يركنوا للبشر كما يركن كثير من المغفلين الفاشلين الذين يذهلون عن الله ذي الملكوت ،ليعولوا في أهوائهم وفي وجدانهم على الخلائق من الساسة والطغاة والمتجبرين ،حتى إذا سقطوا في عار الهزيمة وذاقوا وبال أمرهم من الانهيار والتداعي عرفوا أنهم ضلوا الطريق والتفكير .