خرج بالمسلمين إلى جبل أحُد وكان الجبل وراءهم ،وصَفَّهم للحرب ،وانكشفت الحرب عن هزيمة خفيفة لحقت المسلمين بسبب مكيدة عبد الله بن أبي ابن سلول رأس المنافقين ،إذا انخزل هو وثلث الجيش ،وكان عدد جيش المسلمين سبعمائة ،وعددُ جيش أهل مكَّة ثلاثة آلاف ،وهمّت بنو سَلِمَة وبنو حَارثة من المسلمين بالانخزال ،ثُمّ عصمهم الله ،فذلك قوله تعالى:{ إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا والله وليهما} أي ناصرهما على ذلك الهَمّ الشيطاني ،الّذي لو صار عزماً لكان سبب شقائهما ،فلعناية الله بهما بَرّأهما الله من فعل ما همَّتا به ،وفي « البخاري » عن جابر بن عبد الله قال:"نحن الطائفتان بنو حارثة وبنو سَلِمة وفينا نزلتْ{ إذ همت طائفتان منكم أن تفشلا} وما يسرّني أنَّها لم تنزل والله يقول:{ والله وليهما}"وانكشفت الواقعة عن مرجوحية المسلمين إذ قتل منهم سبعون ،وقتل من المشركين نيف وعشرون وقال أبو سفيان يومئذ: « اعلُ هُبَلْ يوم بيوم بدر والحربُ سِجَال » وقتل حمزة رضي الله عنه ومَثّلت به هند بنت عتبة بن ربيعة ،زوج أبي سفيان ،إذ بقرت عن بطنه وقطعت قطعة من كبده لتأكلها لإحْنَةٍ كانت في قلبها عليه إذ قتل أباها عتبة يوم بدر ،ثُمّ أسلمت بعد وحسن إسلامها .
وشُجّ وجه النَّبيء صلى الله عليه وسلم يومئذ وكُسِرَت رباعيته .والغدوّ: الخروج في وقت الغداة .
و ( مِن ) في قوله:{ من أهلك} ابتدائية .
والأهل: الزوج .والكلام بتقدير مضاف يدلّ عليه فعْل{ غدوتَ} أي من بيت أهلِك وهو بيت عائشة رضي الله عنها .
و{ تُبَوّىء} تجعل مَبَاء أي مكان بَوْء .
والبَوْء: الرجوع ،وهو هنا المقرّ لأنَّه يبوء إليه صاحبه .وانتصب{ المؤمنين} على أنَّه مفعول أوّل لِ ( تُبَوِّىء ) ،ومقاعد مفعول ثان إجراء لفعل تُبَوّىء مجرى تعطي .والمقاعد جمع مقعد .وهو مكان القعود أي الجلوس على الأرض ،والقعود ضدّ الوقوف والقيام ،وإضافة مقاعد لاسم{ القتال} قرينة على أنَّه أطلق على المواضع اللاّئقة بالقتال الَّتي يثبت فيها الجيش ولا ينتقل عنها لأنَّها لائقة بحركاته ،فأطلق المقاعد هنا على مواضع القرار كناية ،أو مجازاً مرسلاً بعلاقة الإطلاق ،وشاع ذلك في الكلام حتَّى ساوى المقرّ والمكان ،ومنه قوله تعالى:{ في مقعد صدق}[ القمر: 55] .
واعلم أنّ كلمة مقاعد جرى فيها على الشريف الرضي نقد إذ قال في رثاء أبي إسحاق الصابيء:
أعْزِزْ عَلَيّ بأن أراك وقَد خَلا *** عن جَانبَيْكَ مَقَاعِدُ العُوّاد
ذكر ابن الأثير في المَثل السائر أن ابن سنان قال: إيراده هذه اللَّفظة في هذا الموضع صحيح إلاّ أنَّه موافق لما يُكره ذِكْرُه لا سيما وقد أضافه إلى من تحتمل إضافته إليه وهم العُوّاد ،ولو انفرد لكان الأمرُ سهلاً .قال ابن الأثير: قد جاءت هذه اللَّفظة في القرآن فجاءت مرضية وهي قوله تعالى:{ وإذ غدوت من أهلك تبوىء المؤمنين مقاعد للقتال} ألا ترى أنَّها في هذه الآية غير مضافة إلى من تُقبح إضافتها إليه .