وبدأت حركة النفاق تعمل لتخذل المؤمنين وتبعدهم عن المشاركة في القتال من أجل إضعاف الجبهة الإيمانية ،كوسيلة من وسائل تقوية خطّ الشرك وسلطته ،لأنَّ ذلك هو الذي يمنحهم فرصة استعادة نفوذهم التي فقدوها عند ظهور الإسلام ...واستطاعوا أن يزلزلوا بعض النفوس ويضعفوا بعض العزائم ...ف [ همَّت طائفتان منكم أن تفشلا] وتتراجعا ،وقد نلاحظ في هذه الفقرة من الآية ،أنَّها لم تتحدّث عمّا تحدّث به المؤرّخون من انسحاب ثلاثمائة رجل من الذين أعدّهم الرَّسول( ص ) للمعركة ،ما يوحي بأنَّ ذلك غير صحيح ،لأنَّ الآية تحدّثت عن حالة التردّد ومحاولة الانسحاب كظاهرة من ظواهر الضعف الموجودة في المجتمع الإسلامي آنذاك ،ولتنبّه المؤمنين إلى مثل هذه الحالة من أجل المستقبل .ولو كان ما نقله المؤرخون صحيحاً ،لكان ذلك أشدّ خطورة على المسيرة ،وأكثر حاجة للتأكيد عليه ،لأنَّه يمثّل حالة التراجع التي تعني الانسحاب من مسؤولية الإيمان بطريقة حاسمة .
وهناك ملاحظة أخرى جديرة بالتأمّل ،وهي أنَّ التعبير القرآني عبّر عن الانسحاب بكلمة «الفشل » ،ما يوحي بأنَّ الجانب العملي من حياة المسلم يعتبر حالة فشلٍ بالنسبة إلى إيمان المؤمن .فالإيمان الذي لا يعبّر عن نفسه بالعمل في خطّ الطاعة هو إيمان فاشل ،لأنَّه لم ينجح في التجربة المرّة في صراع الإنسان مع الشَّيطان .وهذه نقطة لا بُدَّ من التركيز عليها في أساليب التربية ،بالإيحاء بأنَّ الإيمان يمرّفي الحياةبتجربة النجاح والفشل ،كما هو الحال في كلّ قضية تستتبع المعاناة ،ما يرفع من درجة استعداد المؤمن في المجاهدة من أجل الحفاظ على نجاحه في خطّ الإيمان .
أمّا كلمة [ واللّه وليُّهما] فتحمل في داخلها تعميق الشعور للمؤمن بالرعاية الإلهية له في حالات الضعف والزلزال النفسي الناتج عن الضغوط الصعبة المحيطة به ،ما يجعله يحسُّ بالأمن والطمأنينة بحماية اللّه له في أوقات الغفلة .وربَّما كان في التعبير بكلمة «الولي » من الحنان والحميميّة ما يملأ النفس بأصفى المشاعر وأنقاها وأسماها في علاقة الإنسان باللّه ...
[ وعلى اللّه فليتوكَّل المؤمنون] وهي دعوة للمؤمنين أن يتحرّكوا من فكرة [ واللّه وليُّ المؤمنين] ( آل عمران:68 ) ليتوجهوا إليه في حالات الضعف ،أو في الأوضاع التي يخافون أن يضعفوا أمامها مستقبلاً ،فإنَّ التوكل على اللّه يمثِّل أرقى أنواع الإيمان ،لأنَّه يمثِّل الاستسلام للّه من خلال الثقة المطلقة به في أوقات الشدّة والرخاء واليُسر والعُسر ،الأمر الذي يزرع في نفسه الثقة بالحاضر والمستقبل في كلّ عمل من أعمال الدُّنيا والآخرة .