قوله: ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) المكر في اللغة: الاحتيال والخديعة أو السعي بالفساد في خفية ومداجاة ،أما مكر هؤلاء الكافرين الظالمين بعيسى عليه السلام فهو أنهم هموا بقتله ،وأما مكر الله تعالى بهم فإنه يحتمل عدة وجوه: منها: أن الله رفع عيسى إلى السماء فلم يمكنهم من إيصال الشر إليه ،وذلك تملأ الظالمون على قتله فنجاه الله من كيدهم وسوء تدبيرهم .
ومنها: أن الحواريين كانوا اثني عشر ،وكانوا مجتمعين في بيت فنافق رجل منهم ،ودل عليه اليهود ،فألقى الله عليه شبه عيسى ورفع إليه عيسى ،فأخذوا ذلك المنافق ثم قتلوه وصلبوه ظانين أنه عيسى عليه السلام ،فكان ذلك هو مكر الله بهم .
ومنها: أن الله سلط عليهم ملك فارس فقتلهم وسباهم ،فهذا هو مكر الله تعالى ،وقيل غير ذلك{[477]} .
ومما هو قمين ذكره هنا أن المكر هو المكر من حيث حقيقته ومعناه وما يفضي إليه من الويلات والشرور التي تحيق بالبشرية ،وبخاصة الفئة المؤمنة السائرة على منهج الله القويم ،وهو في الجملة يعني التمحل والتحيل والخداع سعيا لا فتعال الشر وإلحاقه بالآخرين ،ولا يحفز إلى ذلك إلا سوء القصد وفساد الطوية ،وما برح الزمان أو التاريخ يحدثنا عن وجوه الخداع والتمالؤ الخبيث الذي يقارفه الأشرار من الناس في حق الفئة المؤمنة الصالحة ،الفئة التي تمضي على صراط الله وتدعو إلى الحق على بصيرة ويقين .
ما برحت والسنون تحمل في طياتها أكدارا من صور الويلات والقواصم التي تلطخت بها أجبنة الطغاة المجرمين ،سواء كانوا من بني إسرائيل أو غيرهم ،لا جرم أن الأشرار والفجار والعتاة الظالمين كثيرون وهم تعج بهم جنبات الأرض عبر زمانها الطويل ،يستوي في ذلك الأشرار والفجار من اليهود أو الهنود أو الأوربيين أو العرب أو غيرهم من أصناف البشر .أولئك الذين كادوا للفئة المؤمنة كيدا وتواطأوا فيما بينهم – في الليل والنهار- لتدمير الإسلام وإزالة شوكة المسلمين أو اصطلامهم البتة إن استطاعوا .
لكن الأهم من ذلك كله أن الله لهؤلاء وأمثالهم من الأرجاس والمناكيد بالمرصاد ،لا جرم أن الله أكبر من كل كبير .فهو القاهر فوق عباده وهو خير الماكرين ،فإنه سبحانه وتعالى يحصي على هؤلاء الأشرار من شياطين البشر كل أفعالهم الشريرة وكل ما جنوه في حق المؤمنين من خداع وتضليل ومكر .
وهو في ذلك إنما يملي لهم ويستدرجهم إلى جحيم الذل والعار والهزيمة استدراجا حتى إذا حان الأجل ودقت ساعة النصر والغلبة للمؤمنين الصابرين من دعاة الإسلام ،سقط الظالمون في وهاد الخزي وباءوا بالانتكاس والإياس .
لا جرم أن ذلك مكر الله وأنه من تقديره وتدبيره !وهو مقتضى قوله عز من قائل: ( ومكروا ومكر الله والله خير الماكرين ) .