{ ومكروا ومكر الله} أي ومكر أولئك الذين أحسن عيسى منهم الكفر به فحاولوا قتله وأبطل الله مكرهم فلم ينجحوا فيه وعبر عن ذلك بالمكر على طريق المشاكلة .كذا قال الجمهور وأقرهم الأستاذ الإمام .ولكن ورد في سورة الأعراف إضافة المكر إلى الله تعالى من غير مقابلة الناس قال:{ أفأمنوا مكر الله ؟ فلا يأمن مكر الله إلا القوم الخاسرون} [ الأعراف:99] والمكر في الأصل التدبير الخفي المفضي بالممكور به إلى ما لا يحتسب .ولما كان الغالب أن يكون ذلك في السوء لأن من يدبر للإنسان ما يسره وينفعه لا يكاد يحتاج إلى إخفاء تدبيره غلب استعمال المكر في التدبير السيئ وإن كان في المكر الحسن والسيئ جميعا قال تعالى:{ استكبارا في الأرض ومكر السيء ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله} [ فاطر:43] ووجه الحاجة إلى المكر الحسن أن من الناس من إذا علم بما يدبر له من الخير أفسد على الفاعل تدبيره لجهله فيحتاج مربيه أو متولي شؤونه إلى أن يحتال عليه ويمكر به ليوصله إلى ما لا يصح أن يعرفه قبل الوصول .إذ يوجد في الماكرين الأشرار والأخيار{ والله خير الماكرين} فإن تدبيره الذي يخفى على عباده إنما يكون لإقامة سننه وإتمام حكمه وكلها خير في نفسها وإن قصر كثير من الناس في الاستفادة منها بجهلهم وسوء اختيارهم .وقال الأستاذ في تفسير"خير الماكرين "بناء على أن المكر في نفسه شر:أي إن كان في الخير مكر فمكره سبحانه وتعالى موجه إلى الخير ومكرهم هو الموجه إلى الشر .