قوله:{وَإِذَا غَشِيَهُم مَّوْجٌ كَالظُّلَلِ دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} الموج أعم من الموجة .وجمع موج ،أمواج .ماج البحر ويموج إذا اشتد هياجه واضطرابه .وماج الناس إذا اختلفت أمورهم واضطربت{[3665]} .
والمراد بالظلل ،الجبال .وذلك وصف لحال العباد إذا ركبوا الفلك فهاج بهم البحر ،وتعاظمت من حولهم الأمواج الهادرة ،فغشيهم الفزع والإياس حينئذ يجأرون إلى الله بالدعاء .وهو قوله:{دَعَوُا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} أي دعوا ربهم وحده موقنين أنه الملاذ لخلاصهم واستنقاذهم من الهلاك دون غيره من الشركاء والأنداد .لكن نشأتهم الضالة وشدة جنوحهم للتقليد الأعمى والتعصب المذموم قد طغى عليهم وأنساهم ذكر ربهم ؛فهم إذا انكشفت عنهم الكروب ،وانجلت الشدائد والأهوال عاودوا الإشراك والعصيان ،وهو قوله:{فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ} المقتصد ،الموفي بما عاهد عليه الله وهو في البحر ،أي أوفى في البر بما عاهد عليه الله وهو في البحر .وقيل: المقتصد ،معناه المتوسط في العمل ،وهو بعد أن عاين الآيات الظاهرة وهو في البحر كان ينبغي أن يقابل ذلك ببالغ الطاعة والشكران لله ،وأن يبادر العبادة والخشوع .
قوله:{وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا كُلُّ خَتَّارٍ كَفُورٍ} الختار ،معناه الغدار ،من الختر وهو الغدر والخديعة ،أو أقبح الغدر وأسوأه{[3666]} أي: لا ينكر الآيات الواضحات والدلائل المستبينات الناطقة بقدرة الله وعظيم سلطانه إلا كل خوّان شديد الغدر ،{كَفُورٍ} .أي جحود للنعمة ،سريع الكفران لما منّ الله به عليه من الاستنقاد والتنجية والخلاص .وذلك دأب الجاحد الغادر الذي يتناسى فضل الله عليه وما منّ به عليه من بالغ النعم فيتولى مدبرا منكرا سادرا في عصيانه وجحوده .