ثم قال:( وإذا غشيهم موج كالظلل ) أي:كالجبال والغمام ، ( دعوا الله مخلصين له الدين ) ، كما قال تعالى:( وإذا مسكم الضر في البحر ضل من تدعون إلا إياه ) [ الإسراء:67] ، وقال ( فإذا ركبوا في الفلك دعوا الله مخلصين له الدين ) [ العنكبوت:65] .
ثم قال:( فلما نجاهم إلى البر فمنهم مقتصد ) قال مجاهد:أي كافر . كأنه فسر المقتصد هاهنا بالجاحد ، كما قال تعالى:( فلما نجاهم إلى البر إذا هم يشركون ) [ العنكبوت:65] .
وقال ابن زيد:هو المتوسط في العمل .
وهذا الذي قاله ابن زيد هو المراد في قوله:( فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات ) [ فاطر:32] ، فالمقتصد هاهنا هو:المتوسط في العمل . ويحتمل أن يكون مرادا هنا أيضا ، ويكون من باب الإنكار على من شاهد تلك الأهوال والأمور العظام والآيات الباهرات في البحر ، ثم بعدما أنعم عليه من الخلاص ، كان ينبغي أن يقابل ذلك بالعمل التام ، والدؤوب في العبادة ، والمبادرة إلى الخيرات . فمن اقتصد بعد ذلك كان مقصرا والحالة هذه ، والله أعلم .
وقوله:( وما يجحد بآياتنا إلا كل ختار كفور ):فالختار:هو الغدار . قاله مجاهد ، والحسن ، وقتادة ، ومالك عن زيد بن أسلم ، وهو الذي كلما عاهد نقض عهده ، والختر:أتم الغدر وأبلغه ، قال عمرو بن معديكرب:
وإنك لو رأيت أبا عمير ملأت يديك من غدر وختر
وقوله:( كفور ) أي:جحود للنعم لا يشكرها ، بل يتناساها ولا يذكرها .