والغشيان: مستعار للمجيء المفاجىء لأنه يشبه التغطية ،وتقدم في قوله تعالى:{ يُغشي الليل النهار} في سورة الأعراف ( 54 ) .
والظُّلَل: بضم الظاء وفتح اللام: جمع ظُلّة بالضم وهي: ما أظلّ من سحاب .
والفاء في قوله فمنهم مقتصد} تدلّ على مقدر كأنه قيل: فلما نجاهم انقسموا فمنهم مقتصد ومنهم غيره كما سيأتي .وجعل ابن مالك الفاء داخلة على جواب{ لمّا} أي رابطة للجواب ومخالفوه يمنعون اقتران جواب{ لما بالفاء كما في مغني اللبيب} .
والمقتصد: الفاعل للقصد وهو التوسط بين طرفين ،والمقام دليل على أن المراد الاقتصاد في الكفر لوقوع تذييله بقوله{ وما يجحد بآياتنا إلاّ كل خَتّار كفور} ولقوله في نظيره في سورة العنكبوت ( 65 ){ فلما نجّاهم إلى البرّ إذا هم يشركون} وقد يطلق المقتصد على الذي يتوسط حالُه بين الصلاح وضده .
كما قال تعالى:{ منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون}[ المائدة: 66] والجاحد الكفور: هو المُفرط في الكفر والجَحد .والجُحود: الإنكار والنفي .وتقدم عند قوله تعالى:{ ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون} في سورة الأنعام ( 33 ) .وعلم أن هنالك قسماً ثالثاً وهو الموقن بالآيات الشاكر للنعمة وأولئك هم المؤمنون .قال في سورة فاطر ( 32 ){ فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات} وهذا الاقتصار كقول جرير:
كانت حنيفة أثلاثاً فثلثهم *** من العبيد وثلث من مواليها
أي: والثلث الآخر من أنفسهم .
والخَتَّار: الشديد الختر ،والختر: أشدّ الغدر .
وجملة{ وما يجحد} إلى آخرها تذييل لأنها تعم كل جاحد سواء من جحد آية سير الفلك وهول البحر ويجحد نعمة الله عليه بالنجاة ومن يجحد غير ذلك من آيات الله ونعمه .والمعنى: ومنهم جاحد بآياتنا .وفي الانتقال من الغيبة إلى التكلم في قوله{ بآياتنا} التفات .
والباء في{ بآياتنا} لتأكيد تعدية الفعل إلى المفعول مثل قوله{ وامسحوا برؤوسكم}[ المائدة: 6] ،وقول النابغة:
لك الخير إن وارت بك الأرض واحداً
وقوله تعالى:{ وما نرسل بالآيات إلاَّ تخويفاً}[ الإسراء: 59] .