قوله تعالى:{ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} .
قال ابن عباس: نزلت في ثابت بن قيس ،وقوله في الرجل الذي لم يفسح له ابن فلانة ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من الذاكر فلانة ؟"فقام ثابت فقال: أنا يا رسول الله .فقال:"انظر في وجوه القوم "فنظر ،فقال:"ما رأيت يا ثابت ؟"فقال: رأيت أبيض وأحمر وأسود .قال:"فإنك لا تفضلهم إلا في الدين والتقوى "فأنزل الله تعالى الآية .
وقيل: لما كان يوم فتح مكة أمر رسول الله صلى الله عليه وسلم بلالا حتى أذّن على ظهر الكعبة .فقال عتّاب بن أسيد بن أبي العيص: الحمد لله الذي قبض أبي حتى لم ير هذا اليوم .وقال الحارث بن هشام: أما وجد محمد غير هذا الغراب الأسود مؤذنا ؟وقال أبو سفيان: إني لا أقول شيئا أخاف أن يخبر به رب السماء .فأتى جبريل عليه السلام النبي صلى الله عليه وسلم وأخبره بما قالوا فدعاهم وسألهم عما قالوا ،فأقروا فأنزل الله تعالى هذه الآية .وزجرهم عن التفاخر بالأنساب والتكاثر بالأموال والازدراء بالفقراء{[4301]} .
والمعنى المراد .أن الناس جميعا أصلهم واحد ،فأبوهم آدم وأمهم حواء فلا يفضل أحد الناس غيره إلا بالتقوى .وإنما المدار في كل الأحوال والأزمان والأعراف على التقوى دون غيرها من قياسات البشر وأهوائهم واعتبارتهم .وفي هذا روى الترمذي عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب بمكة فقال:"يا أيها الناس إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية وتعاظمها بآبائها .فالناس رجلان: رجل برّ تقيّ كريم على الله ،وفاجر شقي هين على الله .والناس بنو آدم وخلق الله آدم منتراب ".قال الله:{ياأيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم} والشعوب جمع شعب وهو ما تشعب من قبائل العرب والعجم .وهو أيضا القبيلة العظيمة .وقيل: أكبرها الشعب ثم القبيلة ثم الفصيلة ثم العمارة ثم البطن ثم الفخذ{[4302]} .
لقد جعل الله الناس هكذا ليتعارفوا أو ليعرف بعضهم بعضا في النسب والقرابة فيتسمى كل واحد باسمه ونسبه ويرد إلى قبيلته أو شعبه أو فصيلته فيقال: فلان ابن فلان من كذا أو كذا ،أي من قبيلة كذا و كذا .فما ينبغي أن يكون ثمة فوضى في الذراري والقربات والأنساب بل يرجع كل واحد إلى من ينتسب إليهم من الآباء والقبائل والعائلات دون لبس أو خلط أو تدليس أو فوضى .وذلكم هو الوضع الحقيقي السليم للبشر ومن بعد ذلك إنما تكون المقادير والاعتبارات والقياسات تبعا للتقوى .وهو قوله سبحانه:{إن أكرمكم عند الله أتقاكم} فخير الناس وأفضلهم وأقربهم إلى الله أكثرهم تقوى .والمراد بالتقوى: الخوف من الله ثم التزام أوامره واجتناب نواهيه .وهذه حقيقة تتجلى كثيرا فيما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأحاديث .منها ما روي أنه صلى الله عليه وسلم خطب بمنى في وسط أيام التشريق وهو على بعير فقال:"أيها الناس ألا إن ربكم واحد وإن أباكم واحد ،ألا لا فضل لعربي على أعجمي ولا لعجمي على عربي ،ولا أسود على أحمر ولا لأحمر على أسود ،إلا بالتقوى .ألا هل بلّغت ؟"قالوا: نعم .قال:"ليبلغ الشاهد الغائب "وروى مسلم عن أبي هريرة ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم ".
وروى الإمام أحمد عن أبي ذر ( رضي الله عنه ) قال: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال له:"انظر فإنك لست بخير من أحمر ولا أسود إلا أن تفضله بتقوى الله ".
وروى البزار في مستنده عن حذيفة ( رضي الله عنه ) قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"كلكم بنو آدم وآدم خلق من تراب ولينتهينّ قوم يفخرون بآبائهم أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجعلان ".
قوله:{إن الله عليم خبير} الله عليم بأحوال العباد وأخبارهم وما تكنه صدورهم من الخوافي وما يصدر عنهم من الأقوال والأفعال وهو سبحانه لا تخفى عليه البواطن والظواهر{[4303]} .