/م11
المفردات:
من ذكر وأنثى: من آدم وحواء ،قال إسحاق الموصلي:
الناس في عالم التمثيل أكفاء *** أبوهم آدم والأم حواء
فإن يكن لهم في أصلهم شرف *** يفاخرون به فالطين والماء
شعوبا وقبائل: الشعوب: رؤوس القبائل ،كربيعة ومضر ،والقبائل فروعها .
قال في تفسير المراغي:
والشعوب واحدهم شعب ( بفتح الشين وسكون العين ) ،وهو الحي العظيم المنتسب إلى أصل واحد ،كربيعة ومضر ،والقبيلة دونه كبكر من ربيعة ،وتميم من مضر ،وحكى أبو عبيدة أن طبقات النسل التي عليها العرب سبع:
الشعب ،ثم القبيلة ،ثم العمارة ،ثم البطن ،ثم الفخذ ،ثم الفصيلة ،ثم العشيرة ،وكل واحد منها يدخل فيما قبله .
فالقبائل تحت الشعوب ،والعمائر تحت القبائل ،والبطون تحت العمائر ،والأفخاذ تحت البطون ،والفصائل تحت الأفخاذ ،والعشائر تحت الفصائل .
فخزيمة شعب ،وكنانة قبيلة ،وقريش عمارة ( بفتح العين وكسرها ) وقصيّ بطن ،وعبد مناف فخذ ،وهاشم فصيلة ،والعباس عشيرة ،وسمي الشعب شعبا لتشعب القبائل منه كتشعب أغصان الشجرة .
التفسير:
13-{يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ} .
تأتي هذه الآية في أعقاب الآداب الإسلامية السابقة ،والنهي عن السخرية واللمز والتنابز بالألقاب ،وظن السوء ،والتجسس والغيبة .
والمعنى:
يا كل الناس ،لماذا التعالي على عباد الله ،أو السخرية منهم ،أو غيبتهم ،أو ظن السوء بهم ،إنكم جميعا من أصل واحد ،كلكم لآدم وآدم من تراب ،فقد خلق الله آدم بيده وزوّجه حواء ،ومن نسل آدم وحواء خلق جميع البشر ،فلماذا التعالي والتفاخر والترفع والتكبر على الآخرين إذا كنتم جميعا من أصل واحد ،ومن إناء واحد ؟
قال صلى الله عليه وسلم: ( يا أيها الناس ،ألا إن ربكم واحد ،وإن أباكم واحد ،ألا لا فضل لعربي على عجمي ،ولا لعجمي على عربي ،ولا لأسود على أحمر ،ولا لأحمر على أسود إلا بالتقوى ،ألا هل بلّغت ) ؟قالوا: اللهم نعم ،قال: ( ليبلّغ الشاهد منكم الغائب )22 .
{وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا ...}
الشعوب: الجمهور الكبير من الناس ،والقبائل: العائلات الكبيرة ،ومنها تتفرع الفروع الصغيرة ،تقول: أنا من شعب مصر ،ومن محافظة كذا ،ومن بلدة كذا ،ومن قبيلة كذا ،أو من عائلة كذا ،وبذلك يعرف الناس أنسابهم وأصولهم ،ويحافظون على أنسابهم بالزواج الشرعي ،والبعد عن الزنا والسفاح .
قال صلى الله عليه وسلم: ( ولدت من نكاح ،ولم أولد من سفاح )23 .
وقد كان الناس -عربا أو عجما- عند نزول الآية قبائل متمايزة ،ضمن شعوب تعمهم ،ولكنهم الآن في معظم الأمم قد اختلط بعضهم ببعض ،وأصبح التعارف بينهم بالانتماء إلى الأمم ،وبيان البلدان التي يعيشون فيها ،والمساكن التي يأوون إليها .
{إن أكرمكم عند الله أتقاكم ...}
أي: لقد جعلت النسب للتعارف وصلة الرحم ،وليس للتعالي والتفاخر بالأنساب والأحساب ،فإن السمو الحقيقي ورفعة المنزلة إنما تكون بتقوى الله ومراقبته ،والعمل بما يرضيه ،والبعد عما نهى الله عنه .
أخرج ابن أبي حاتم ،والترمذي ،عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطب الناس يوم فتح مكة فقال: ( يا أيها الناس ،إن الله قد أذهب عنكم عيبة الجاهلية –أي: تكبرها- وتعظمها بآبائها ،فالناس رجلان: رجل بر تقي كريم على الله ،ورجل فاجر شقي هين على الله تعالى ،إن الله عز وجل يقول:{يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوبا وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير} .ثم قال صلى الله عليه وسلم: ( أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم ) .
وروى مسلم ،وابن ماجة ،عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم )24 .
وعند الطبراني ،عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( إن الله لا ينظر إلى أحسابكم ولا إلى أنسابكم ولا إلى أجسامكم ولا إلى أموالكم ،ولكن ينظر إلى قلوبكم ،فمن كان له قلب صالح تحنن الله عليه ،وإنما أنتم بنو آدم ،وأحبكم إليه أتقاكم )25 .
{إن الله عليم خبير} .
هو سبحانه مطلع على القلوب ،عليم بأحوال عباده ،خبير بأفعالهم ،فيثيب من تخلق بهذه الأخلاق ،ويعاقب من أعرض عنها .
في أعقاب التفسير
1- احتج مالك بقوله تعالى:{إنا خلقناكم من ذكر وأنثى ...} على عدم اشتراط النسب في الكفاءة في الزواج ،إلا الدين ،فيجوز زواج المولى بالعربية ،وقد تزوج سالم مولى امرأة26 من الأنصار امرأة عربية حرة ،حيث تبناه أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ،وأنكحه هند بنت أخيه الوليد بن عتبة ،وتزوج بلال بن رباح أخت عبد الرحمان بن عوف ،وتزوج زيد بن حارثة زينب بنت جحش ،فالكفاءة إنما تراعى في الدين فقط .
روى أحمد ،وأصحاب الكتب الستة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ( تنكح المرأة لمالها ولحسبها ولجمالها ولدينها ،فاظفر بذات الدين تربت يداك )27 .
وقال الجمهور: يراعى الحسب والمال عملا بالأعراف ،ومراعاة لواقع الحياة المعيشية ،وتحقيقا لهدف الزواج وهو الدوام والاستقرار .
وأرى أن هذه الأمور متشابكة ،ولا نستطيع الفصل بينها بسهولة .
والحل:
1- أن نعطي للدين والتقوى درجات كبيرة للزوجة والزوج ،مع مراعاة الأمور الأخرى بنسبة ما ،وبذلك نجمع بين ما رآه مالك وما رآه غيره .
2- أورد الإمام ابن كثير طائفة من الأحاديث النبوية التي تنهي عن التفاخر ،وتحض على التقوى ،ثم قال: فجميع الناس في الشرف بالنسبة الطينية إلى آدم وحواء سواء ،وإنما يتفاضلون بالأمور الدينية ،وهي طاعة الله ورسوله .
روى البخاري بسنده ،عن أبي هريرة قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم: أي الناس أكرمهم ؟قال: ( أكرمهم أتقاهم ) ،قالوا: ليس عن هذا نسألك ،قال: ( فأكرم الناس يوسف نبي الله ،ابن يعقوب نبي الله ،ابن إبراهيم خليل الله ) ،قالوا: ليس عن هذا نسألك ،قال: ( فعن معادن العرب تسألون ) ؟قالوا: نعم ،قال: ( خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا )28 .
3- وردت أحاديث نبوية كريمة في معنى الآية ،منها ما رواه أبو بكر البزار في مسنده ،عن حذيفة رضي الله عنه ،قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ( كلكم بنو آدم ،وآدم خلق من تراب ،ولينتهين قوم يفخرون بآبائهم ،أو ليكونن أهون على الله تعالى من الجُعْلان )29 .
وعن أبي هريرة ،عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ( إن الله تعالى يقول يوم القيامة: إني جعلت نسبا وجعلتم نسبا ،فجعلت أكرمكم عند الله أتقاكم ،وأبيتم إلا أن تقولوا: فلان ابن فلان ،وأنا اليوم أرفع نسبي لأضع أنسابكم ،أين المتقون ) ؟
وفي صحيح مسلم ،من حديث عبد الله بن عمرو قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول جهارا: ( إن أولياء أبي ليسوا لي بأولياء ،إن وليي الله وصالحو المؤمنين )30 .