قوله تعالى:{من أجل ذلك كتبنا على بني إسرءيل أنه من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ولقد جاءتهم رسلنا بالبينت ثم إن كثيرا منهم بعد ذلك في الأرض لمسرفون} من أجل ذلك ،أي بسبب هذه النازلة المريعة وهي قتل ابن آدم أخاه ظلما{كتبنا على بني إسرءيل ... فكأنما قتل الناس جميعا} أي قضينا وشرعنا لهم أن من قتل نفسا بغير سبب من قصاص ،أو لفساد في الأرض موجب لهدر الدم كالشرك أو قطع الطريق{فكأنما قتل الناس جميعا} وتأويل ذلك موضع خلاف وتفصيل نعرض له في عدة وجوه:
الوجه الأول: المقصود المبالغة في تعظيم أمر القتل العمد العدوان وتفخيم شأنه .أي فكما أن قتل كل الناس أمر فظيع ومستعظم ،فكذلك يجب أن يكون قتل الواحد من الناس فظيعا ومستعظما .أي أن المقصود اشتراكهما في البشاعة والفظاعة والاستعظام .
الوجه الثاني: أن الذي يقتل النفس المؤمنة ظلما وعدوانا جعل الله جزاءه جهنم وغضب عليه ولعنه وأعد له عذابا عظيما .وكذا الذي يقتل الناس جميعا لم يزد جزاؤه على ذلك .
الوجه الثالث: المعنى أن من قتل نفسا فيلزمه من القود والقصاص ما يلزم من قتل الناس جميعا .
الوجه الرابع: أن الله جعل إثم قاتل الواحد إثم قاتل الجميع .وقيل: كان هذا الحكم مختصا ببني إسرائيل تغليظا عليهم .وقيل غير ذلك{[937]} .
قوله:{ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا} إحياؤها يراد به استنقاذها من سائر المهالك كالحرق والغرق والإفراط في الجوع والعطش والبرد والحر المفضي إلى الموت .وتأويل إحياء النفس الواحدة بما يكافئ إحياء النفوس جميعا يشبه ما بيناه من أن قتل النفس الواحدة كقتل النفوس جميعا .وجملة ذلك: المبالغة في تعظيم استنقاذ النفس المؤمنة من سائر أسباب الهلكة .وأن من يستنقذ النفس المؤمنة من براثن الموت ليس له من الجزاء ممن يستنقذ الناس جميعا{[938]} .