تقدّم قصةُ ابني آدم صورتين لطبيعة بني آدم: صورة لطبيعة الشر والعدوان كقاتل ،وأخرى لطبيعة الخير والسماحة كرافض لأن يقتُل .لذا بيّن سبحانه أنه يجب أن يكون هناك تشريع يحفظ التوازن بين الناس ،بموجبه يجب أن يلقى المجرم جزاءه .وبذلك يعيش الناس في أمان وتصان نفوسهم ،فقال: من أجْل ذلك كتَبنا على بني إسرائيل ...
بسبب هذا الجرم الفظيع الذي ارتكبه ابن آدم أوجبنا قتْل المعتدي ،لأن من قتل نفساً واحدة ظلماً وعدواناً بغير سبب موجب للقصاص ،ولا فسادٍ يخلّ بالأمن ،مثل ( قتْل الأنفس ونهب الأموال وقطْع الطرق ) فكأنما قتل الناس جميعاً .
هذا دليل على تعظيم أمر القتل العمد ،وبشاعة هذا الجرم الكبير .فقتلُ النفس الواحدة كقتل جميع الناس عند الله .لأن القاتل هتك حرمة دمائهم ،وجرّأ غيره عليها .
ومن كان سببا في إنقاذ نفس من الموت وإحيائها فكأنّما أحيا الناس كلهم ،لصيانته دماء البشر ،فهو يستحق الثواب العظيم من الله .
والآن ..ما جزاء من يقتل المئات والألوف بأمرٍ منه !سواء كان القتل بوسائل الحرب أم بالتجويع أم بقتل حرّيتهم عن طريق تجريدهم منها ،فهو قتلٌ على كل حال ؟فانظروا أيها المسلمون ،إلى واقعكم وتدبّروا أمركم ،والله في عونكم حين تؤوبون إلى صراطه .فالاعتداء على الفرد اعتداءٌ على المجتمع ،لذلك قال الفقهاء: إن القصاص حق لولي الدم ،إن شاء عفا وأخذ الدية ،وان شاء طلب القصاص .
وفي الآية إرشاد إلى ما يجب من وحدة البشر وحرص كل منهم على حياة الجميع .وكثيراً ما يشير القرآن إلى وحدة الأمة ووجوب تكافلها وتضامنها ،كما يؤكد وجوب تآزرها لرفع الضّيم عن حقوقها المهدورة .
ولقد بعث الله الرسل بالآيات الواضحة إلي البشر .فلم تغنِ عن الكثير منهم شيئا ،إذ لم تهذب نفوسهم ولم تطهر أخلاقهم ،فكانوا رغم كل ذلك يسرفون في الأرض فساداً .