قوله:{وكيف يحكمونك وعندهم التورة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك} هذا تعجيب من تحكيم يهود لرسول الله صلى الله عليه وسلم ،مع أنهم لا يؤمنون به أصلا .فقد حكموه في حد الزاني وهو منصوص عليه في كتابهم الذي يدعون الإيمان به ،وهو التوراة .والحقيقة أن التحكيم منهم لرسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن القصد منه معرفة الحق وإنما هو لطلب الأهون وهو لم يكن حكم الله تعالى بزعمهم ،بل كانوا يعلمون الحكم الصحيح الذي تضمنته التوراة وهو الرجم .وبعد ذلك كله أعرضوا عن حكم الرسول صلى الله عليه وسلم في المسألة بعد أن حكموه فيها .وما ذلك كله إلا لفرط عنادهم وجهلهم ونكولهم عن الحق حيثما كان ،سواء في التوراة أو القرآن .وإنما مرادهم بلوغ الأسهل والأهون إقبالا على الأهواء والشهوات وحرصا على الحياة الدنيا .
قوله:{وما أولئك بالمؤمنين} أي ليسوا مؤمنين بك يا محمد ولا بصحة حكمك فهم بذلك كافرون .وقيل: ليسوا مؤمنين بكتابهم التوراة وإن كانوا يصطنعون الإيمان بها .فقد أبوا الاحتكام إليها في أمر الزاني ،لأنه الرجم وهو يرومون دون ذلك وهو الجلد .وبذلك فإنهم لا إيمان لهم بشيء{[975]} .