قوله تعالى:{أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} الاستفهام للإنكار والتوبيخ والفاء للعطف على مقدر .أي أيتولون عن حكمك فيبغون حكم الجاهلية .حكم ،منصوب بالفعل بعده{يبغون} والجاهلية كلمة جامعة شاملة تعني كل ضروب الملل والشرائع البعيدة عن منهج الله ،والتي تقف من رسالة السماء موقف المخالف الخصيم ،ولأنها لا تستند إلى وحي السماء ولا تصدر عن كتاب الله الحكيم .
فهي صريح الهوى ،والتمرد الصارخ على الدين الحق ارتضاه الله حكما للبشرية .
الجاهلية في ذاتها ملة عامة تضم عامة المذاهب والفلسفات والآراء والنحل والقوانين التي تخالف المنهج الإلهي الكامل والتي لا تركن لغير الرأي الممحض القاصر .فهي بذلك كفر شنيع ولا يدعو لها أو يحرض عليها أو يتشبث بها إلا معاند كفور .
قال صاحب الكشاف في بيان الجاهلية: الملة الجاهلية التي هي هوى وجهل ولا تصدر عن كتاب سماوي ولا ترجع إلى وحي من الله وقال الحسن البصري في حكم الجاهلية: هو عام في كل من يبغي غير حكم الله .
ويقول الأستاذ سيد قطب في حقيقة الجاهلية: إن معنى الجاهلية يتحدد بهذا النص .فالجاهلية – كما يصفها الله ويحددها قرآنه – هي حكم البشرللبشر ،لأنها عبودية البشر للبشر ،والخروج من عبودية الله ورفض ألوهية الله والاعتراف في مقابل هذا الرفض بألوهية بعض البشر وبالعبودية لهم من دون الله .
إن الجاهلية – في ضوء هذا النص – ليست فترة من الزمان ولكنها وضع من الأوضاع .هذا الوضع يوجد بالأمس ويوجد اليوم ويوجد غدا فيأخذ صفة الجاهلية المقابلة للإسلام والمناقضة للإسلام .
قوله:{ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون} الاستفهام للإنكار والتعجيب وحكما ،منصوب على التمييز .واللام للبيان فيكون المعنى أن هذا الخطاب بما فيه من إنكار وتعجيب إنما هو لقوم يوقنون .أي يتدبرون ويعقلون شرع الله وهم موقنون أن الله أحكم الحاكمين{[1001]} .