قوله:{إني وجهت وجهي للذي فطر السموت والأرض حنيفا وما أنا من المشركين} أي وجهت عبادتي وطاعتي وتوحيدي لله وحده .وذكر الوجه نيابة عن الكيان الإنساني كله ،وذلك لشرفه ،ولأنه أظهر ما في الإنسان .فقد أعلن إبراهيم عن توجه كيانه الشخصي كله ،قلبه وروحه وعقله وبدنه كله – مطيعا ممتثلا خاضعا لله الذي{فطر السموات والأرض} أي أوجد وأنشأ السموات بطباقها الواسعة الغائرة في مجاهل هذا الكون ،وكذلك بأجرامها الهائلة المبثوثة المذهلة لهول كثرتها وضخامتها وتناثرها .وكذلك أوجد وأنشأ الأرض بما فيها من أصنام يعبدها المشركون الضالون سفها وحماقة .
قوله:{حنيفا وما أنا من المشركين} حنيفا مائلا إلى الدين القيم .أو صحيح الميل إلى الإسلام ،من الحنف ،بالفتح بمعنى الاستقامة .والحنفية: التوحيد .وهذا إعلان من إبراهيم ،إذ صدع بالحق جهرة على مسامع الملأ والأشهاد أنه على الحنيفية المبرأة من دنس الشرك على تعدد صوره وأشكاله ،وأعلن كذلك مجانبته للشرك ونفيه المطلق أن يكون من المشركين{[1207]} .