( إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ ) اني وجهت نفسي ، وعبر عن ذلك بوجهه لأن الوجه هو الذي يواجه به ويتجه به إلى ما يتجه ، ولأنه مظهر الخضوع والطاعة وبه يكون السجود فكان الوجه له مظهر يجعله صالحا لأن يعبر به عن الجسم كله .
اتجه إلى الخالق لأنه عرفه مما خلق ، والأثر يدل على المؤثر و ( فطر ) معناها أنشأه وأوجده على غير مثال سبق ، وهذا يدل على أن الفطرة السليمة تدرك بذاتها من فطرها ولذا قال تعالى في دين الحق:(. . .فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله ذلك الدين القيم ولكن أكثر الناس لا يعلمون 30 ) ( الروم ) .
وان بعض العلماء كالظاهرية يرون أن إدراك الله تعالى بدهي يدرك بالبداهة لا بالبرهان ذلك أن إبراهيمعليه السلامأدرك الله تعالى بفطرته بعد أن أبعد عنها ضلال الوثنية ولأن أوهام الوثنية غشاء صفيق يحول بين الفطرة وإدراكها السليم .
وقد صنع الشباب إبراهيم- عليه السلام- صنيع المدرك الفاهم ، فأخذ يزيل هذه الأوهام بعقله الصافي النافذ إلى الحقائق أزالها عن نفسه وأزالها عن غيره ولكن آمن وغيره لم يزلها من عقله الذي لصقت به ، فلما زالت الأوهام اتجه فورها الى ربه الذي أنشا هذا الوجود واستدل من هذا الوجود الممكن إلى وجود الله تعالى الكامل الأول والآخر والظاهر والباطن والقادر على كل شيء سبحانه .
وقد وصف نبي الله إبراهيم بقوله:( حنيفا ) أي متجها ناحية الحق وحده دون غيره فهو الحق وإن لم أره وهو الكمال وإن لم أحسه بالجارحة فقد أدركته بعقلي وقلبي وهو ملء نفسي .
وقد ختم بقوله:( وما أنا من المشركين ) نفى أن يكون من المشركين ، فذكر ضمير المتكلم في موضع النفى وقد نفى أن يكون في عداد المشركين الذين أشركوا النجوم مع الله أو الأصنام التي تسمت بأسمائها ، وبذلك انخلع من الشرك وأهله وصار حجة للمؤمنين على الكافرين .