قوله تعالى:{وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأت فرعون إذ قالت رب ابن لي عندك بيتا في الجنة ونجني من فرعون وعمله ونجني من القوم الظالمين 11 ومريم ابنت عمران التي أحصنت فرجها فنفخنا فيه من روحنا وصدّقت بكلمات ربها وكتبه وكانت من القانتين} .
وهذا مثل ثان ضربه الله للمؤمنين الموقنين القانتين الثابتين على الإيمان والحق الذين لا يضربهم من خالفهم من الظالمين والطغاة .ضرب الله لذلك امرأة فرعون .هذه المرأة التقية الصابرة الفضلى التي احتملت من نكال فرعون وقهره وتعذيبه ما لا يطيقه إلا الصادقون الأبرار ،وأولئك هم أولو العزم المكين والإيمان المتوطد الراسخ الذي لا يهون ولا يضطرب .
تلك هي امرأة فرعون ،وهي آسية بنت مزاحم ،كانت زوجة لواحد من أعتى العتاة وأظلم الجبابرة في الأرض .وذلكم هو فرعون الطاغوت الشقي الأثيم ،الذي زعم – بفرط غروره وجهالته وكبريائه – أنه إله ،ثم استخف قومه من حوله فأطاعوه وعبدوه من دون الله .لكن امرأته آسية آمنت بالله وحده وصدقت بدعوة موسى عليه والسلام .فلما علم فرعون بإيمانها نكّل بها تنكيلا وعذبها أشد العذاب .فدعت ربها{رب ابن لي عندك بيتا في الجنة} ذكر أنها كانت تعذّب بالشمس فإذا آذاها حر الشمس أظلتها الملائكة بأجنحتها .
وقيل: سمّر يديها ورجليها في الشمس ووضع على ظهرها رحى ،فأطلعها الله حتى رأت مكانها في الجنة .ومن دعائها أيضا{ونجني من فرعون وعمله} أي خلصني من كيد فرعون واكتب لي النجاة من شره وعدوانه{ونجني من القوم الظالمين} وهم القبط ،أو المشركين من قوم فرعون .سألت ربها أن يدفع عنها كفر هؤلاء الظالمين وكيدهم وفسادهم .