ثمّ يذكر القرآن الكريم نموذجين مؤمنين صالحين فيقول: ( وضرب الله مثلا للذين آمنوا امرأة فرعون ) .
من المعروف أنّ اسم زوجة فرعون ( آسية ) واسم أبوها ( مزاحم ) وقد آمنت منذ أن رأت معجزة موسى ( عليه السلام ) أمام السحرة ،واستقرّ قلبها على الإيمان ،لكنّها حاولت أن تكتم إيمانها ،غير أنّ الإيمان برسالة موسى وحبّ الله ليس شيئاً يسهل كتمانه ،وبمجرّد أن اطّلع فرعون على إيمانها نهاها مرّات عديدة وأصرّ عليها أن تتخلّى عن رسالة موسى وربّه ،غير أنّ هذه المرأة الصالحة رفضت الاستسلام إطلاقاً .
وأخيراً أمر فرعون أن تُثبت يداها ورجلاها بالمسامير ،وتترك تحت أشعة الشمس الحارقة ،بعد أن توضع فوق صدرها صخرة كبيرة .وفي تلك اللحظات الأخيرة كانت امرأة فرعون بهذا الدعاء إذ قالت: ( ربّ ابن لي عندك بيتاً في الجنّة ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين ) وقد استجاب لها ربّها وجعلها من أفضل نساء العالم إذ يذكرها في صفّ مريم .
في رواية عن الرّسول ( صلى الله عليه وآله وسلم ): «أفضل نساء أهل الجنّة خديجة بنت خويلد ،وفاطمة بنت محمّد ومريم بنت عمران ،وآسيا بنت مزاحم امرأة فرعون »{[5347]} .
ومن الطريف أنّ امرأة فرعون كانت تستصغر بيت فرعون ولا تعتبره شيئاً مقابل بيت في الجنّة وفي جواره تعالى ،وبذلك أجابت على نصائح الناصحين في أنّها ستخسر كلّ تلك المكاسب وتحرم من منصب الملكة ( ملكة مصر ) وما إلى ذلك .لسبب واحد هو أنّها آمنت برجل راع كموسى .
وفي عبارة ( ونجّني من فرعون وعمله ونجّني من القوم الظالمين ) تضرب مثلا رائعاً للمرأة المؤمنة التي ترفض أن تخضع لضغوط الحياة ،أو تتخلّى عن إيمانها مقابل مكاسب زائلة في هذه الدنيا .
لم تستطع بهارج الدنيا وزخارفها التي كانت تنعم بها في ظلّ فرعون ،والتي بلغت حدّاً ليس له مثيل .لم تستطع كلّ تلك المغريات أن تثنيها عن نهج الحقّ ،كما لم تخضع أمام الضغوط وألوان العذاب التي مارسها فرعون .وقد واصلت هذه المرأة المؤمنة طريقها الذي اختارته رغم كلّ الصعاب واتّجهت نحو الله معشوقها الحقيقي .
وتجدر الإشارة إلى أنّها كانت ترجو أن يبني الله لها بيتاً عنده في الجنّة لتحقيق بعدين ومعنيين: المعنى المادّي الذي أشارت إليه بكلمة «في الجنّة » ،والبعد المعنوي وهو القرب من الله «عندك » وقد جمعتهما في عبارة صغيرة موجزة .