قوله تعالى:{ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بها أولئك كالأنعام بل هم أضل أوليك هم الغافلون} خلق الله لجهنم من يملؤها من الجن والإنس .أولئك الذين جنحوا للضلال والباطل ليكونوا في مقابل الهدى والحق .والذين آثروا الحياة الدنيا على الآخرة فمالوا للشهوات والمفاسد والمعاصي فاستحقوا بذلك من الله العقاب في النار .أولئك هم حصب جهنم سيصلون فيها السعير والتحريق بما فعلوه في حياتهم الدنيا ؛إذ ضلوا قصد المحجة البيضاء .وسلكوا سبيل المجرمين المكذبين الذين ما كانوا ليجدي معهم النصح والإرشاد لفساد فطرتهم ،وتيه عقولهم ،وللران الذي غشي قلوبهم فاستحوذ عليها أيما استحواذ .وهو قوله سبحانه واصفا إياهم{لهم قلوب لا يفقهون بها ولهم أعين لا يبصرون بها ولهم آذن لا يسمعون بها} يفقهون ،من الفقه وهو الفهم أو العلم بالشيء{[1584]} .الله جل وجلاله يبين أن هؤلاء الضالين الجاحدين قد تعطلت حواسهم فما عادوا لينتفعوا بها ؛لأنهم قد استحوذ عليهم الشيطان وطغت عليهم شقوتهم وضلالتهم ؛فهم بذلك قلوبهم غلف لا يدركون بها الحق والهدى ولا يعون بها آيات الله ودلائله الساطعة والحجج الظاهرة الدامغة التي تكشف عن روعة الحق وزيف الباطل .وهم كذلك صم لا ينتفعون بآذانهم ؛إذ لا يسمعون بها نداءات المرسلين والداعين إلى الله .النداءات التي تهتف بهم في كل آن أن يثوبوا إلى ربهم فيؤمنوا إليه مخبتين مذعنين .لكنهم ما عادوا لينتفعوا بشيء من هذه الحواس التي كان قيمنا بهم أن يستدلوا من خلالها على الحق والهدى فهم بذلك{كالأنعام بل هم أضل أولئك هم الغافلون} إن هؤلاء المجرمين الذين هم حصب جهنم ،والذين تعطلت فيهم حواس الأفئدة وأبصار والأسماع إنما يشبهون الأنعام في أنها لا تعي رشدا ،ولا تبصر هداية أو حجة ،ولا تسمع نصحا أو نداء .وإنما طبعها أن لا تعي ولا تدرك ،وليس لها من الحياة إلا أن تعيش لتأكل وتشرب وتمارس غرائزها .وهكذا المجرمون المجانبون لمنهج الله المعادون لدينه وشرعه ،بل إنهم أشد إضلالا من الأنعام ؛لأنهم مسؤولون موقوفون عند ربهم ليؤاخذهم عن ضلالهم وفسقهم وعما كانوا فيه من الغفلة والتفريط ،خلافا للأنعام فغنها غير مؤاخذة ولا مسؤولة ؛إذ سقط عنها السؤال والحساب ؛لتجردها من حاسة الوعي والإدراك{[1585]} .