قوله تعالى:{وإذا لم تأتيهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحي إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} اجتبيتها ؛أي افتعلتها واختلقتها .وجبيتها ؛أي جمعتها{[1611]} ولولا بمعنى هلا .ومعنى الآية: أن النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم يأت المشركين بآية يطلبونها أو يقترحونها قالوا: لم لا تطلبها من ربك ؟هلا اختلقتها وانتحلتها من عند نفسك ؟فأمره الله أن يجيبهم بقوله:{إنما أتبع ما يوحي إلى من ربي} يعني أنا لا آتيكم بالآيات من عند نفسي كما تظنون جهلا وسفها ؛ولكنني أتبع ما أوحي إلي من عند الله فأبلغكم إياه ،وأنا لست في ذلك إلا المكلف المأمور الذي يتبع ما أنزله الله فألتزمه وأعمل بمقتضاه .
قوله:{هذا بصائر من ربكم} البصائر جمع بصيرة وهي الحجة والدليل والبرهان الواضح النير .والمراد بالإشارة{هذا} القرآن ؛فإنه الدلائل المشرقة الظاهرة والحجج الساطعة البلجة لمن أراد أن ينتفع أو يهتدي أو يتدبر .
قوله:{وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} أي هذا القرآن جاء هداية يهتدي بها من هو جدير بالانتفاع به ،والفوز والنجاة بسببه وهم المؤمنون .وهو كذلك رحمة لهم ؛فهو كله رحمة ،سواء فيه الكلمات الباهرة العذاب ،أو أسلوبه الشفيف النفاذ ،وتصويره الرائع الأخاذ ،وكذا مضامينه وما حواه من المعاني والمواعظ والمشاهد والأحكام ،كل أولئك يفيض على البشرية بسحائب من الرحمة الغامرة الندية{[1612]} .