{وإذ لم تأتهم بآية1 قالوا لولا2 اجتبيتها3 قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} [ 203] .
( 1 ) آية: قال ابن كثير: إن المقصود من الآية في هذه الآية معجزة ،غير أن معظم أن المفسرين أولوها بآية قرآنية .وهذا أوجه وفي الآية قرينة على وجاهة هذا التأويل والآية القرآنية بمعنى جملة قرآنية .
( 2 ) لولا: جاءت في القرآن كثيرا بمعنى هلا للتحدي وهي هنا بهذا المعنى .
( 3 ) اجتبيتها: قال المفسرون: إنها هنا بمعنى اختلقتها أو تقولتها .والاجتباء في الأصل الاصطفاء وهي من جبى بمعنى أخذ .
في الآية حكاية لبعض مواقف الكفار حيث كانوا يقترحون على النبي صلى الله عليه وسلم الإتيان بآية .وحينما لا يلبيهم يلمزونه قائلين هلا اختلقت ما نطلب منك .وقد أمرت النبي صلى الله عليه وسلم بالرد عليهم بأنه إنما يتبع ما يوحى إليه به من ربه وليس له إلا التزام حدود ذلك وإن ما يبلغه ليس تقولا على الله ،وإنما هو وحي رباني يوحيه الله ليكون هدى ورحمة للذين صدقت رغبتهم في الحق والإيمان والتبصر .
ولم يذكر المفسرون رواية في نزول هذه الآية لمناسبة خاصة .ويتبادر لنا أن لها صلة بالفصل السابق .وضمير الجمع الغائب يمكن أن يكون قرينة على هذه الصلة ؛لأنه يربط بينها وبين الآية الأخيرة السابقة التي تذكر إخوان الشياطين .ولا يبعد أن يكون الموقف الساخر الذي حكته الآية بقولهم للنبي صلى الله عليه وسلم: ( هلا اختلقتها ) هو الذي أثار انفعال النبي صلى الله عليه وسلم فتقدمت الآيات السابقة بالخطة الحكيمة والتنويه والتنبيه والتنديد بين يدي الباعث عليها .
وفحوى الآية يلهم أن الكفار قد طلبوا آية قرآنية وليس آية خارقة أي معجزة .فلما لم يجبهم إلى طلبهم وقال لهم إن القرآن وحي من الله يبلغه حينما يوحي الله به إليه غمزوه بما غمزوه وأثاروا انفعاله .وهكذا تكون الآية قد احتوت صورة جديدة من صور مواقف تحدي الكفار .
وقد تكرر هذا منهم وتكرر نفس الجواب لهم على ما حكته آية سورة يونس هذه:{وإذ تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقائي نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم15} .
تعليق على جملة{إنما أتبع ما يوحى إلي}
وفي هتاف النبي صلى الله عليه وسلم بأمر الله بأنه إنما يتبع ما يوحى إليه من الله وليس له إلا تبليغه ،وبأن القرآن ليس ارتجالا وليس هو رهن الطلب والاقتراح ،وبسبيل الجدال والمماحكة وإنما هو بصائر وهدى ورحمة لمن صدقت نيته ورغبته في الإيمان والهدى تتجلى صميميته الرائعة بإعلان الحق والحقيقة والتزام حدود الله ويتجلى عمق إيمانه برسالته وصلته بالله واستغراقه فيهما .وفي الآية بعد تنويه جميل بأصحاب النيات الحسنة والرغبات الصادقة ؛لأنهم لا يكابرون إزاء الحق والصدق ولا يمارون فيهما ويتلقونهما بالقبول والإذعان .