ثم بين تعالى ،من أنواع إغوائهم ،لجاجهم في طلب آيات معينة ،وتعنتهم في اقتراحها ،مع أن لديهم المعجزة العظمى ،والخارقة الكبرى ،وهي القرآن الكريم ،فقال سبحانه:
[ 203]{ وإذَا لمْ تأتِهم بآيةٍ قالوا لولا اجْتَبَيْتهَا قلْ إنما أتبِعُ ما يُوحَى إليَّ من رَّ بِّي هذا بَصَائِرُ من رَّبكُمْ وَهُدًى وَرَحْمَة لِّقوْمِ يُؤمِنون ( 203 )} .
{ وإذَا لمْ تأتِيهم بآيةٍ} أي مما اقترحوه{ قالوا لولا اجْتَبَيْتهَا} أي هلا تكلفتها وأنشأتها من عندك{ قلْ إنما أتبِعُ ما يُوحَى إليَّ من رَّ بِّي} أي فلست بمفتعل للآيات ،ولا أتقدم إليه تعالى في شيء منها .ثم أرشدهم تعالى إلى أن هذا القرآن هو أعظم المعجزات ،وأبين الدلالات ،وأصدق الحجج والبينات ،فقال سبحانه{ هذا} أي القرآن{ بَصَائِرُ من رَّبكُمْ} أي بمنزلة البصائر للقلوب ،بها يبصر الحق ،ويدرك الصواب .فالكلام على طريقة التشبيه البليغ .أو سبب البصائر ،فهو مجاز مرسل .أو استعارة لإرشاده .أو المعنى:حجج بينة ،وبراهين نيّرة .وإنما جمع خبر المفرد لاشتماله على آيات وسور ،جعل كل منها بصيرة .والتعرض لعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضميرهم- لتأكيد وجوب/ الإيمان بها{ وَهُدًى} أي من الضلالة وَرَحْمَة} أي من العذاب{ لِّقوْمِ يُؤمِنون} أي به ،فيتفكرون في حقائقه .
تنبيه:
قال الجشمي:تدل الآية أنه تعالى ينزل الآيات بحسب المصلحة ،لا بحسب اقتراحهم ،لأن ذلك قد يكون فسادا .ويدل قوله:{ هذا بصائر} أن المعارف مكتسبة .وتدل أن جميع ما يقوله الرسول ويفعله من الشرع من وحيه ،لذلك قال:{ أتبعُ ما يُوحى ألي} ،ومتى قيل:هل تدل الآية على أنه لا يجتهد ولا يقيس ؟ قلنا:لا! لأن القياس والاجتهاد إذا كان متعبدا به ،فاتباعه اتباع الوحي .كالعاميّ يقبل من المفتي ،والعالم يجتهد ،ويتبع الوحي ،كذلك هذا .والذي يدل عليه أن النبي صلى الله عليه وسلم لا يفعل شيئا من تلقاء نفسه حتى يؤمر به- انتهى كلامه- وفي إطلاقه تفصيل له موضع آخر .