{ وإذا لم تأتهم بآية قالوا لولا اجتبيتها قل إنما أتبع ما يوحي إلي من ربي هذا بصائر من ربكم وهدى ورحمة لقوم يؤمنون 203}
الاجتباء افتعال واختصاص من الجباية يقال جبى العامل المال يجبيه وجباه يجبوه إذا جمعه للسلطان القيم على بيت مال الأمة .واجتباه إذا جمعه واصطفاه لنفسه أو احتازه لها ، وفي الكشاف اجتبى الشيء بمعنى جباه لنفسه أي جمعه كقولك اجتمعه- أو جبي إليه فاجتباه أي أخذه ، كقولك جليت إليه العروس فاجتلاها اه .والآية هنا آية القرآن كما روي عن ابن عباس أو المعجزة المقترحة من قبل المشركين كما روي عن مجاهد وقتادة .
والمعنى وإذا لم تأتهم أيها الرسول بآية قرآنية بأن تراخى نزول الوحي زمنا ما عليك قالوا:هلا جباها الله لك بأن مكنك منها فاجتبيتها وأبرزتها لنا{ قل إنما أتبع ما يوحى إلي من ربي} فما أنا بمبتدع ولا مجتب لشيء من آيات القرآن بعلمي وبلاغتي بل أنا عاجز عن مثله كعجزكم وعجز سائر الإنس والجن .وفي معناها{ وإذا تتلى عليهم آياتنا بينات قال الذين لا يرجون لقاءنا ائت بقرآن غير هذا أو بدّله قل ما يكون لي أن أبدله من تلقاء نفسي إن أتبع إلا ما يوحى إلي} [ يونس:15] - أو ما أنا بقادر على إيجاد الآية الكونية ولا بمفتات على الله في طلبها وإنما أنا متبع لما يوحى إلي فضلا من ربي علي أن جعلني المبلغ عنه- وما علي إلا البلاغ المبين .
{ هذا بصائر من ربكم} أي هذا القرآن الذي أوحاه إلي بصائر وحجج ناهضة من ربكم يعود من تأملها وعقلها بصير العقل بما تدل عليه من الحق ، إذ هي أدل عليه مما تطلبون من الآيات الكونية لأنها تدل عليه مباشرة .وقد سبق في سورة الأنعام تفسير قوله تعالى:{ قد جاءكم بصائر من ربكم فمن أبصر فلنفسه ومن عمي فعليها وما أنا عليكم بحفيظ} [ الأنعام:104] فيراجع لزيادة البيان .
{ وهدى ورحمة لقوم يؤمنون} أي وهو هدى كامل يهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم ، ورحمة في الدنيا والآخرة للذين يؤمنون به:كما قال تعالى في سورة الأنعام أيضا:{ وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا وإن كنا عن دراستهم لغافلين أو تقولوا لو أنا أنزل علينا الكتاب لكنا أهدى منهم فقد جاءكم بينة من ربكم وهدى ورحمة} [ الأنعام:154- 156] الآية ، قيل إن قوله تعالى لقوم يؤمنون متعلق بالثلاثة وقيل الهدى والرحمة لأن البصيرة قد يتأملها العاقل فيؤمن .