قوله:{قل أمر ربي بالقسط} القسط معناه العدل .وقيل: الحق والصدق .قال ابن عباس: القسط هنا لا إله إلا الله .
وهذه هي الشهادة الكبرى ،وهي أعظم مقولة تنطق بها الكائنات في هذا الوجود .وهي شهادة ساطعة مجلجلة تحمل الإقرار الجازم الكامل على وحدانية الله ،وأنه سبحانه الموجد لكل شيء ،وأنه بذلك يستوجب من العباد أن يعبدوه وحده لا شريك له وان لا يعبدوا غيره من الأنداد المصطنعة والآلهة المفتراة من الأوثان والأصنام والطواغيت .وكل صور الأنداد الذين اصطنعتم أهواء الضالين المفسدين والأصنام والطواغيت .وكل صور الأنداد الذين اصطنعتم أهواء الضالين المفسدين من شياطين الجن والإنس .وعلى هذا يأمر الله نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم أن يبين للناس ما أمرهم به ربهم ؛فقد أمرهم بالحق والعدل والاستقامة على صراط والاستمساك بمنهجه وحده دون غيره من مناهج البشر .
قوله:{وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد} أي توجهوا حيثما كنتم في الصلاة نحو الكعبة .وقيل: اجعلوا سجودكم خالصا لله .وقيل: إذا حضرت الصلاة صلوا في كل مسجد ،ولا يقل أحدكم: أصلي في مسجدي .وقيل: المراد إباحة الصلاة في كل موضع من الأرض ؛أي حيثما كنتم فهو مسجد لكم ،يلزمكم الصلاة عنده وإقامة وجوهكم فيه لله .
قوله:{وادعوه مخلصين له الدين} أي اعبدوه وأطيعوه مخلصين له دون سواه .ويراد بعبادة الله: مختلف ضروب الأعمال الصالحة والطاعات التي ينبغي بها العابد المطيع وجه الله .ويأتي في طليعة العبادات والطاعات توجه العبد إلى الله بالدعاء .ولئن كان العبد المطيع لربه يدعو ربه في إلحاح وضراعة وخشوع لا جرم أن الله مستجيب إن شاء .
قوله:{كما بدأكم تعودون} الكاف في{كما} في موضع نصب ،صفة لمصدر محذوف .وتقديره: وتعودون عودا مثلما بدأكم{[1372]} .وفي تأويل هذه الآية وجهان: أحدهما ،وهو قول ابن عباس: كما خلقكم أولا ،تعودون بعد الفناء .وفي الحديث مما أخرجه الصحيحان عن ابن عباس قال: قام فينا رسول الله صلى الله عليه وسلم بموعظة فقال: ( يا أيها الناس إنكم تحشرون على الله حفاة عراة غرلا{[1373]} كما بدأنا أول خلق نعيده وعدا علينا إنا فاعلين ) وبعبادة أخرى في تأويل الآية: أنه كما أحياكم في الدنيا يحييكم في الآخرة ،وليس بعثكم بأشد من ابتداء إنشائكم .
ثانيهما: أن الناس يبعثون على ما ماتوا عليه: المؤمن على إيمانه ،والكافر على كفرانه .