{بِالْقِسْطِ}: أصل القسط العدل ؛فإذا كان إلى جهة الحقّ فهو عدل ؛وإذا كان إلى جهة الباطل فهو جور .
{قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ} وهذه هي الصورة المشرقة لأجواء الأوامر الإلهية ،التي يمكن للإنسان أن يأخذ منها الفكرة الصحيحة ،في التمييز بين ما أمر الله به وما لم يأمر به ،مما قد ينسبه إليه بعض المنحرفين الكاذبين .إن الله يأمر بالعدل الذي يمثّل خط التوازن في الحياة ،سواءٌ منه ما يتعلق بحقوق الناس ،أو بقضايا الحياة الآخرى ...في ما يقوله الإنسان أو يفعله ،مما نستطيع من خلاله أن نميز الحق من الباطل في مختلف مفردات حياتنا ووجودنا .
{وَأَقِيمُواْ وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} .وهذا هو الخط الذي يريد الله للإنسان أن يسير عليه ،ليتوازن في خط الإيمان بالله ..أن يقيم الإنسان وجهه لله ،في ما عبر عنه بقوله:{عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ} بكل ما يمثله المسجد من أجواء العبادة ،فيتجه إليه في كل أموره ،فهو مقصده وغايته في جميع المجالات ،فمنه ومن وحيه تبدأ كل انطلاقاته ،وإليه وإلى غاياته تنتهي كل خطواته ...فلا يتصور الوجود إلا من خلاله ،إذ لا وجود إلا له ،وكل مظاهر الوجود ظلال لحقيقة وجوده ...وذلك هو معنى الإيمان الرحب المنفتح على الله في كل الافاق ،المتحرك معه في كل السُّبل .
{وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ} لا تدعوا غيره ،ولا تشركوا به أحداً ،فله الدعاء وإليه المشتكى وعليه المعوّل في الشدّة والرخاء ...فالجأوا إليه في كل أموركم وتعبّدوا له بإخلاص الدين له ،حتى يكون الدين كله له في فكركم وشعوركم وخطوات حياتكم ...في الخط والمنهج والممارسة ...فليس لكم أن تتّبعوا غير منهجه ،أو تسيروا في غير طريقه ،أو تتّخذوا وليّاً غيره ...وذلك هو خط التوحيد وخط الإخلاص ،ومعنى الدين الحق .
كما بدأكم تعودون
{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} فليست الحياة التي تعيشونها مجرد ذرّة ضائعةٍ في الفراغ ،أو فقّاعةٍ تنتفخ ثم تنفجر لتتحول إلى لا شيء ،ولكنها البداية التي تعتبر النقطة الأولى في حركة المسؤولية التي تنطلق وتتوهّج لتنتظر نتائجها ،بعد هدأةٍ قصيرة تغفو فيها الحياة على ذراع الموت ،لتعود من جديد في مواجهة النتائج بين يدي الله ...فلا تعتبروا الموت نهاية الحياة ،بل انتظروامن خلالهرحلة العودة إلى الحياة من جديد ،في أجواء متنوعة الألوان والأشكال والآفاق ،تبعاً لتنوع الأفكار والمواقف والأعمال ...إنها اللمحة الموحية التي تريد للإنسان أن لا يستسلم للخدر الذي توحي به الغفلة المطبقة على فكره وشعوره ،لتبعده عن التفكير الواعي في ما يجب أن يواجهه في مستقبله الآخروي من نتائج المسؤولية في إيجابياتها وسلبياتها ،على أساس حركة الحياة في هذا الاتجاه المسؤول ،في انفتاح رحلة البداية على رحلة العودة .{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} ،فكيف تتصرفون في ذلك ؟