قوله تعالى:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ 29 فريقا هدى وفريقا حق عليهم الضلالة} .
في هذه الآية الكريمة للعلماء وجهان من التفسير:
الأول: أن معنى{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} أي كما سبق لكم في علم الله من سعادة أو شقاوة ،فإنكم تصيرون إليه .فمن سبق له العلم بأنه سعيد صار إلى السعادة ،ومن سبق له العلم بأنه شقي صار إلى الشقاوة ،ويدل لهذا الوجه قوله بعده:{فَرِيقًا هَدَى وَفَرِيقًا حَقَّ عَلَيْهِمُ الضَّلَالَةُ} .وهو ظاهر كما ترى ،ومن الآيات الدالة عليه أيضاً قوله تعالى:{هُوَ الذي خَلَقَكُمْ فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ} [ التغابن: 2] ،وقوله:{وَلِذلِكَ خَلَقَهُمْ} [ هود: 119] ،أي ولذلك الاختلاف إلى شقي ،وسعيد خلقهم .
الوجه الثاني: أن معنى قوله:{كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ} ،أي كما خلقكم أولاً ،ولم تكونوا شيئاً ،فإنه يعيدكم مرة أخرى .ويبعثكم من قبوركم أحياء بعد أن متم وصرتم عظاماً رميماً ،والآيات الدالة على هذا الوجه كثيرة جداً ،كقوله:{كَمَا بَدَأْنَآ أَوَّلَ خَلْقٍ نُّعِيدُهُ وَعْداً عَلَيْنَآ} [ الأنبياء: 104] ،وقوله:{وَهُوَ الذي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ} [ الروم: 27] الآية ،وقوله:{قُلْ يُحْيِيهَا الذي أَنشَأَهَآ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [ يس: 79] الآية ،وقوله:{يا أَيُّهَا النَّاسُ إِن كُنتُمْ فِي رَيْبٍ مِّنَ الْبَعْثِ فَإِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِّن تُرَابٍ} [ الحج: 5] إلى غير ذلك من الآيات .
وقد قدمنا في ترجمة هذا الكتاب المبارك أنه قد يكون في الآية وجهان ،وكل واحد منهما حق ،ويشهد له القرآن ،فنذكر الجميع ،لأنه كله حق ،والعلم عند الله تعالى .
قوله تعالى:{إِنَّهُمُ اتَّخَذُوا الشَّيَاطِينَ أَوْلِيَآءَ مِن دُونِ اللَّهِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُم مُّهْتَدُونَ} .
وبين تعالى في هذه الآية الكريمة ،أن الكفار اتخذوا الشياطين أولياء من دون الله ،ومن تلك الموالاة طاعتهم لهم فيما يخالف ما شرعه الله تعالى ،ومع ذلك يظنون أنفسهم على هدى .
وبين في موضع آخر: أن من كان كذلك فهو أخسر الناس عملاً ،والعياذ بالله تعالى ،وهو قوله جل وعلا:{قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُم بِالأخْسَرِينَ أَعْمَالاً الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَواةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا} [ الكهف: 103 – 104] .