قوله تعالى:{فرح المخالفون بمقعدهم خلاف رسول الله وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون 81 فليضحكوا قليلا وليبكوا كثيرا جزاء بما كانوا يكسبون} .
يفرح المنافقون أشد الفرح كلما نالوا حظا من حظوظ الدنيا ،كالمال والراحة والدعة والاستمتاع بكل ألوان المتاع والمكاسب في الحياة الدنيا وسفاسفها .وأشد ما يواجه المنافقين في حياتهم تكليفهم ما يشق عليهم ؛كالتكليف باحتمال المصاعب والمخاطر مثل الجهاد ،إنهم أشد الناس هروبا وتخلقا عن فريضة الجهاد ؛ولذلك قد فرح المنافقون بخلفهم عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم في جهاد الكافرين في تبوك .والمراد بالمخلفين: هم المتروكون الذين استأذنوا رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك فأذن لهم وخلفهم في المدينة ،أو هم الذين خلفهم الشيطان ،او تخاذلهم ونفاقهم وإخلادهم إلى الأرض ؛لقد فرحوا{بمقعدهم} أي بقعودهم{خلاف رسول الله}{خلاف} منصوب ،على أنه مفعول له .وقيل: على المصدر{[1863]} .وخلاف ،بمعنى خلف .أو بمعنى مخالفين ؛أي أنهم قعدوا عن الجهاد لمخالفة رسول الله صلى الله عليه وسلم ،أو مخالفين أمره بالخروج .
قوله:{وكرهوا أن يجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله} لقد كره هؤلاء المنافقون المخلفون ان يخرجوا للقاء أعداء الله فيجاهدوهم بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله ،جانحين إلى الدعة والاسترخاء والتخاذل ،ومؤثرين الحياة الدنيا على الآخرة ،وشحا بالمال الذي تهون بصدده العقيدة والملة والقيم في نظرهم .
لما استنفر النبي صلى الله عليه وسلم الناس للسفر إلى تبوك من أجل الجهاد ،وكان ذلك في حين من اشتداد الحر إبان الصيف الحرور ،وقد حان أوان القطاف وجني الثمار ؛تثاقل المنافقون وانثنوا عن الخروج انثناء فاضحا كشف اللثام عن نواياهم الخبيثة وعن مبلغ إخلادهم المسرف إلى حطام الدنيا ،ثم تواصوا فيما بينهم قائلين بعضهم لبعض:{لا تنفروا في الحر} ثم قال لهم الله على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم:{قل نار جهنم أشد حرا} فإن نار جهنم بلظاها المخوف المفظع ،واستعار لهيبها المتأجج المضطرم ؛لهي أحرى أن تحذروها وأن تحسبوا لها كل حساب واستعداد .قوله:{لو كانوا يفقهون} لو كان المنافقون يتدبرون هذه الحقيقة المذهلة عن شدة العذاب وفظاعة اللهب يوم القيامة لما تخلفوا عن صحبة رسول الله صلى الله عليه وسلم والسفر معه للقاء العدو .