قوله تعالى:{استغفر لهم أو لا تستغفر لهم إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم ذلك بأنهم كفروا بالله ورسوله والله لا يهدي القوم الفاسقين} يبين الله لنبيه صلى الله عليه وسلم أنه لن يغفر لهؤلاء المنافقين ما وقعوا فيه من النفاق والغش والخيانة ،وإن استغفرت لهم بالغ الاستغفار .وقد ذكر السبعين للتأكيد على عدم حصول المغفرة للمنافقين ؛ولذلك قال: إن تستغفر لهم سبعين مرة فلن يغفر الله لهم}{سبعين} منصوب على أنه صفة لمصدر محذوف .والسبعون هنا جار مجرى المثل ف كلام العرب للتكثير وليس على التحديد والغاية ؛فإن العرب في أساليب كلامها كانت تذكر السبعين على سبيل المبالغة ولا تريد التحديد بها ولا أن يكون ما زاد عليها بخلافها .
وذهب بعض أهل العلم إلى التقييد بهذا العدد وهو السبعون يدل على قبول الاستغفار في الزيادة على هذا العدد وهو مفهوم المخالفة .فما زاد على السبعين من الاستغفار لم يشمله التيئيس من الاستغفار ،وحتجوا بما روي أنه لما ثقل عبد الله بن أبي انطلق ابنه إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: إن أبي قد احتضر{[1860]} فأجب أن تشهده وتصل عليه .فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: ( ما اسمك ) قال: الحباب بن عبد الله .قال: ( بل أنت عبد الله بن عبد الله ؛إن الحباب اسم شيطان ) فانطلق معه حتى شهده وألبسه قميصه وهو عرق{[1861]} وصلى عليه .فقيل له: أتصلي عليه ؟قال ( إن الله قال:{إن تستغفر لهم سبعين مرة} ولأستغفرن لهم سبعين وسبعين ) .
والراجح من القولين عدم المغفرة للمنافقين مهما استغفر لهم المستغفرون .ويدل على ذلك قوله:{ذالك بأنهم كفروا بالله ورسوله}{ذلك} ،إشارة إلى اليأس من المغفرة لهم .والباء للسببية ؛أي لن يغفر الله لهم بسبب كفرهم بالله ورسوله{والله لا يهدي القوم الفاسقين} فتبين بذلك أن العلة التي لأجلها لا ينفع المنافقين استغفار الرسول لهم وإن بلغ استغفارهم سبعين مرة ،هي كفرهم وفسقهم{[1862]} .