قوله تعالى:{الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله ولهم عذاب أليم}{يلمزون} ،من اللمز وهو العيب والإشارة بالعين ونحوها .واللمزة بضم اللام المشددة معناه العياب باللسان{[1857]} .
ذلك إخبار عن فضائح المنافقين وعن صفة من صفاتهم الذميمة وهي للمز .والمنافقون صنف لئيم خسيس عياب من الناس لا ينجو أحد من عيبهم ولمزهم في كل الأحوال .فإن أحسن الناس وكثر إحسانهم عابهم المنافقون وطعنوا في حقيقية مقاصدهم واتهموهم بالرياء .وإن أحسنوا قليلا شنعوا عليهم وتقالوا إحسانهم ،وسخروا مما بذلوه على أنه حقير ويسير ليست له قيمة .هؤلاء هم المنافقون الأنذال أولو الضمائر الخاوية ،والألسن التي لا تبرع إلا في الحسد واللمز والثرثرة وعتك الأستار في أسلوب خسيس وخبيث ومبتذل .
وفي هذا الصدد روي البخاري بإسناده عن ابن مسعود ( رضي الله عنه ) قال: لنا نزلت آية الصدقة كما نحامل على ظهورنا ،فجاء رجل فتصدق بشيء كثير ،فقالوا: مرائي ،وجاء رجل فتصدق بصاع فقالوا: إن الله لغني عن صدقة هذا ،فنزلت{الذين يلمزون المطوعين} الآية{[1858]} و{المطوعين} أي المتطوعين .من التطوع ،وهو التبرع والبذل تقربا لله وابتغاء مرضاته .قوله:{والذين لا يجدون إلا جهدهم} أي أن المنافقين يلمزون المتطوعين من المؤمنين الذين يقدمون ما في وسعهم مما يجدونه فاضلا عن حاجتهم وليس عندهم غيره وهو جهد المؤمن المقل .والجهد ،بالضم معناه القدرة والطاقة{فيسخرون منهم} معطوف على يلمزون .والمعنى: أن هؤلاء المنافقين يستهزئون بالمتطوعين المؤمنين الذين يتصدقون بالقليل ؛لأنه غاية ما يقدرون عليه ويتمكنون منه ؛إنهم يستهزئون بهم وبما يقدمونه من الصدقات لقتلها وبساطتها .قوله:{سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} أي جازاهم الله بما يستحقونه من المجازاة والعقاب في مقابلة استسخارهم بالمؤمنين ؛فقد أخزاهم الله بفضح نواياهم وما تكنه صدورهم من خبيث المقاصد ،فضلا عما أعده لهم من أليم العذاب في جهنم{[1859]} .