{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ ( 1 )مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ وَالَّذِينَ لاَ يَجِدُونَ إِلاَّ جُهْدَهُمْ فَيَسْخَرُونَ مِنْهُمْ سَخِرَ اللّهُ مِنْهُمْ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ ( 79 )} ( 79 ) .
( 1 ) المطوعين: المتطوعين .وروح الآية تلهم أنها هنا في معنى المتبرعين في الصدقات .
في الآية:
( 1 ) صورة خبيثة أخرى للمنافقين ؛حيث كانوا يعيبون المتبرعين من المؤمنين بالصدقات ويسخرون منهم وبخاصة من الذين يتصدقون بالقليل الذي يبلغ إليه جهدهم وطاقتهم .
( 2 ) وتعقيب تنديدي على ذلك: فهم أحق بالسخرية ،وليسخرن الله منهم وليكونن لهم عنده العذاب الأليم .
تعليق على الآية:
{الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقَاتِ .......} الخ
وما فيها من صور وتلقين
روى البخاري عن ابن مسعود حديثا جاء فيه: ( لما أمرنا بالصدقة كنا نتحامل فجاء أبو عقيل بنصف صاع وجاء إنسان بأكثر منه فقال المنافقون: إن الله لغني عن صدقة أبي عقيل ،وإن الآخر ما فعل إلا رئاء فأنزل الله الآية ) ( 1 ){[1122]} .ولقد أورد الطبري وغيره هذا الحديث وأوردوا معه روايات أخرى ( 2 ){[1123]} .مفادها أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم دعا المسلمين إلى التصدق فأقبلوا أغنياء وفقراء كل بحسبه .فكان من الأغنياء عبد الرحمن بن عوف الذي تصدق بنصف ماله البالغ أربعة آلاف دينار أو بأربعمائة أوقية من فضة أو بأربعين أو بمائة أوقية من ذهب .وعاصم بن عدي الذي تبرع بمائة وسق من تمر .وعمر بن الخطاب الذي تبرع بمال كثير ،وكان من الفقراء أبو عقيل وفي رواية أخرى أبو خيثمة جاء إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال له: لقد أجرت نفسي ونلت صاعين من تمر فأمسكت بأحدهما وأتيتك بالآخر ،فأخذ المنافقون يلمزون الأغنياء بالرياء ويسخرون بأبي عقيل أو أبي خيثمة ويقولون: إن الله ورسوله لغنيان عنه ،وأنه لم يأت بصاعه إلا ليذكر بين الناس .ومما رووه أيضا أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هتف يوما قائلا: من يتصدق اليوم بصدقة أشهد له بها عند الله يوم القيامة ،فجاء رجل ليس في البقيع رجلا أقصر منه قامة ولا أشد سوادا ولا أذم لعين منه يقود ناقة ليس في البقيع أحسن ولا أجمل منها فقال: أصدقة يا رسول الله ؟قال: نعم قال: فدونكها فألقى إليه بخطامها .فقال: والله إنه ليتصدق بها ولهي خير منه .فنظر رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فقال: بل هو خير منك ومنها .وليس ما يمنع أن المواقف كانت تتكرر فتعددت الروايات ،وإن كان من الصحيح أن يؤخذ بحديث البخاري على أنه سبب نزول الآية مباشرة ،ونرجح أن الوقائع المروية وقعت قبل السفر إلى تبوك ،ولعلها وقعت في مناسبة الإعداد لغزوة تبوك ،وأن الآية لم تنزل حين وقعت ،وأنها جزء من السلسلة في معرض ذكر أخلاق ومواقف المنافقين والتنديد بهم .
والصورة من الصور الخبيثة المألوفة من ذوي القلوب المريضة في مختلف الظروف ؛حيث يبخلون بما آتاهم الله ،ثم يقدحون في ذوي النفوس السمحة من قبيل التعطيل والتغطية على بخلهم .وواضح أن في الآيات تلقينا مستمر المدى في تقبيح هذه الصورة وتقرير كونها من أخلاق المنافقين .