{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُواْ بِاللّهِ وَرَسُولِهِ وَاللّهُ لاَ يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ ( 80 )} ( 80 ) .
تعليق على الآية:
{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ ....}
ومداها وما ورد في صددها من أقوال وروايات وأحاديث
عبارة الآية واضحة .والخطاب فيها موجه إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ،وضمير الجمع الغائب عائد إلى المنافقين الذين هم موضوع الحديث في الآيات السابقة .وهي بسبيل تسجيل كفرهم وفسقهم وعدم إمكان شمولهم بغفران الله تعالى سواء أستغفر لهم النبي صلى الله عليه وآله وسلم أو لم يستغفر لهم حتى ولو استغفر لهم سبعين مرة .فإن الله لا يمكن أن يوفق ويهدي الفاسقين عن أوامره .
وقد روى المفسرون ( 1 ){[1124]} ،أن المنافقين لما نزلت الآيات السابقة التي تحكي مواقفهم وتفضحهم وتندد بهم لجأوا إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعتذرون ويطلبون منه الاستغفار لهم ،وأن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: إن الله خيرني أن أستغفر لهم أو لا أستغفر لهم فاستغفر لهم أو هم بذلك فأنزل الله الآية .فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم بعدها: ( لأزيدن على السبعين أو سأستغفر لهم سبعين وسبعين وسبعين ......................) .
ولقد روى الشيخان والترمذي حديثا عن ابن عمر قال: ( لما توفي عبد الله بن أبي بن سلول جاء ابنه عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فسأله أن يعطيه قميصه يكفن به أباه ،فأعطاه ثم سأله أن يصلي عليه فقام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ليصلي عليه ،فقام عمر فأخذ بثوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقال: يا رسول الله تصلي عليه .وقد نهاك ربك فقال: إنما خيرني الله فقال:{اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لاَ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِن تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَن يَغْفِرَ اللّهُ لَهُمْ} وسأزيده على السبعين .قال عمر: إنه منافق .قال: فصلى عليه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فأنزل الله:{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم مَّاتَ أَبَدًا وَلاَ تَقُمْ عَلَىَ قَبْرِهِ} ) ( 2 ){[1125]} .وبقطع النظر عما يتحمله هذا الحديث من ملاحظات سوف نوردها في سياق تفسير الآية:{وَلاَ تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِّنْهُم .................} التي ستأتي بعد قليل ،فإن خبر مسارعة المنافقين إلى الاعتذار للنبي صلى الله عليه وآله وسلم وطلب الاستغفار منه لهم بعد نزول الآيات القارعة فيهم محتمل الصحة .وبخاصة بالنسبة للمنافقين الذين كانوا معه في غزوة تبوك ؛لأننا نعتقد أن هذه السلسلة نزلت أثناء هذه الغزوة على ما تلهمه القرائن العديدة في آياتها السابقة واللاحقة .غير أننا في حيرة من تتمة الروايات ،وبخاصة من حديث ابن عمر الذي يرويه الشيخان .فليست هذه أولى مرة يؤذن القرآن ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بأن الله لن يغفر لهم سواء استغفر لهم أم لم يستغفر حيث ورد في هذه الآية( 6 ) من سورة المنافقون ويصعب علينا أن نسلم بأن رسول الله استغفر لهم أو هم بذلك ،أو حدث نفسه ،بعد هذا التوكيد الحاسم الذي جاء في الآية التي نحن في صددها بعد آية المنافقون .أو أن يكون قد فهم عبارة آية التوبة فهما عدديا ،ولا سيما أنها تلهم بقوة أنها على سبيل التغليظ والتشديد ،ومع ذلك فليس لنا إذا صح الحديث إلا أن نقول: إن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قد اجتهد في الأمر ،ورأى أن التأييد القرآني بعدم مغفرة الله للمنافقين هو في حق أناس علم الله أنهم لا يصدقون في الندم وطلب الغفران ،وأن عفو الله تعالى ورحمته تتسعان لقبول استغفاره لمن يرى أن يستغفر له منهم إذا ما استغفر لهم أكثر من سبعين مرة ،أو لمن يرى أنه صادق في ندمه وتوبته وطلب الغفران .ولعله استند في اجتهاده إلى الآية ( 74 ) التي شجعت المنافقين بعد أن قررت أنهم قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إيمانهم وهموا بما لم ينالوا على التوبة والندم ودعتهما إليهما وقالت: إن ذلك خير لهم تساوقا مع الهدف الإصلاحي الذي استهدفته حكمة التنزيل من جعل باب التوبة مفتوحا لكل الناس مهما فعلوا على ما شرحناه في سورة البروج .وسيأتي في سياق آيات تجيء بعد قليل حديث بأن بعض المنافقين ممن لم يكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم يعلم نفاقهم جاءوه نادمين وطلبوا أن يستغفر لهم فاستغفر لهم ودعا لهم مما قد يكون فيه تدعيم .والله تعالى أعلم .