/م81
قال عز وجل:
{ فرح المخلفون بمقعدهم خلاف رسول الله} الفرح شعور النفس بالارتياح والسرور ، والخلاف مصدر خالفه يخالف كالمخالفة ، واستعمل ظرفا بمعنى بعد وخلف ، قال في الأساس:وجلست خلاف فلان وخلفه أي بعده .اه .ومنه{ وإن كادوا ليستفزونك من الأرض ليخرجوك منها وإذا لا يلبثون خلافك إلا قليلا} [ الإسراء:76] ، وهي قراءة ابن عامر وحمزة والكسائي ويعقوب وحفص ، وقرأ الباقون [ خلفك] ، واستشهد اللسان على هذه اللغة ببضعة شواهد ، وههنا يصح المعنيان .
والمخلفون اسم مفعول من خلف فلاناً وراءه [ بالتشديد] إذا تركه خلفه .والمعنى فرح المخلفون من هؤلاء المنافقين ، أي الذين تركهم الرسول صلى الله عليه وسلم عند خروجه إلى غزوة تبوك بقعودهم في بيوتهم مخالفين لله تعالى وله ، وهذا المعنى أصح هنا ، وإنما فرحوا لأنهم لا يؤمنون بما في الخروج معه من الأجر العظيم الذي لا تذكر بجانبه راحة القعود في البيوت شيئاً .
{ وقالوا لا تنفروا في الحر} أي قالوا لإخوانهم في النفاق:لا تنفروا معه في الحر ، نهيا لهم عن المعروف وإغراء بالثبات على المنكر ، وهو عدم النفر ، أو قالوه تثبياً لهم فيه ، وتثبيطاً للمؤمنين عنه .
{ قل نار جهنم أشد حرا} أي قل أيها الرسول تفنيدا لقولهم وتسفيهاً لحلومهم:نار جهنم التي أعدها الله تعالى لمن عصاه وعصى رسوله أشد حراً من تلك الأيام في أوائل فصل الخريف فهو لا يلبث أن يخف ويزول ، على كونه مما تحتمله الجسوم ، وأما نار جهنم فحرها على شدته دائم ، فهو يلفح وجوههم ، وينضج جلودهم ، وينزع شواهم ، وفي هذا أكبر عبرة لمن يتركون الجهاد وغيره من الواجبات إيثاراً للراحة والنعيم ، وما يفعله في حال وجوبه عليهم إلا المنافقون ، ثم قال:
{ لو كانوا يفقهون} أي لو كانوا يعقلون ذلك ويعتبرون به لما خالفوا أو قعدوا ، ولما فرحوا بقعودهم إذ أجرموا فقعدوا ، بل لحزنوا واكتأبوا ، وبكوا وانتحبوا ، كما فعل المؤمنون الذين أرادوا الخروج والنفقة فعجزوا ، وسيأتي بيان لحالهم قريباً .