{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ ( 81 ) فَلْيَضْحَكُواْ قَلِيلاً وَلْيَبْكُواْ كَثِيرًا جَزَاء بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ( 82 )} .
المفردات:
المخلفون: الذين تخلفوا عن الجهاد بأعذار كاذبة .
بمقعدهم: بقعودهم .
خلاف رسول الله: أي: بعده أو مخالفة له .
التفسير:
81 –{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ بِمَقْعَدِهِمْ خِلاَفَ رَسُولِ اللّهِ وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ ...} الآية .
كانت غزوة تبوك في شدة الحر والصيف ،وسمت همة المؤمنين للخروج والجهاد في سبيل الله ،بينما هبطت همة المنافقين وكرهت الجهاد ومشقاته ،وجاءت هذه الآية تعرض لونا من زهدهم في المكارم ،ونفورهم من المعالي ،ورغبتهم في الراحة والدعة ،والتخلف مع النساء والصبيان والشيوخ الكبار والعجائز ،ولم يندموا على هذا التخلف ؛بل شجعوا غيرهم على القعود عن الجهاد وقالو لهم: لا تنفروا في الحر .
قال الدكتور محمد سيد طنطاوي في معنى الآية:
فرح المخلفون من هؤلاء المنافقين بسبب قعودهم في المدينة وعدم خروجهم إلى تبوك للجهاد مع الرسول صلى الله عليه وسلم والمؤمنين ،وكرهوا أن يبذلوا شيئا من أموالهم وأنفسهم من أجل إعلاء كلمة الله125 .
وجاء في تفسير الكشاف للزمخشري:
{وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ} .
في هذه الفقرة تعريض بالمؤمنين ،وتحملهم المشاق العظام لوجه الله تعالى ،وبما فعلوا من بذل أموالهم وأرواحهم في سبيل الله تعالى ،وإيثارهم ذلك على الدعة والخفض ،وكره ذلك المنافقون ،وكيف لا يكرهونه ،وما فيهم ما في المؤمنين من باعث الإيمان ،وداعي الإيقان .
{وقالوا لا تنفروا في الحر قل نار جهنم أشد حرا} .
أي: قال بعضهم لبعض ،على سبيل الإغراء بعدم الخروج للجهاد: اقعدوا معنا في المدينة ،ولا تخرجوا للجهاد مع المؤمنين ؛فإن الحر شديد والسفر طويل ،وقعودكم يريحكم من هذه المتاعب .
{قل نار جهنم أشد حرا لو كانوا يفقهون} .
أي: إن نار جهنم التي أعدت للعصاة والتي تصيرون إليها بمخالفتكم ؛أشد حرا مما فررتم منه من الحر .فلو كانوا يعقلون ويعتبرون ؛لما خالقوا وقعدوا ،ولما فرحوا بل حزنوا .
فقد اشتروا متعة قليلة زائلة ،وباعوا المكارم والجهاد ،وتحمل التبعات في سبيل خير الدنيا والآخرة .
قال الزمخشري في تفسير الكشاف:
{قل نار جهنم أشد حرا} .
فيه استجهال لهم ؛لأن من تصّون مشقة ساعة ،فوقع بسبب ذلك التصون في مشقة الأبد ؛كان أجهل من كل جاهل .