{الْمُخَلَّفُونَ}: خلّفته: تركته خلفي ،والمخلّفون: الذي تخلّفوا عن الخروج .
{خِلافَ رَسُولِ اللَّهِ}: بعده .وقيل مخالفتهم له .
القرآن يتحدث عن المخلفين
وهذه جولة مع هؤلاء المخلفين الذين استأذنوا النبي في البقاء في المدينة ،وتخلّفوا عن الخروج معه ،من أجل رصد الحالة النفسية التي كانوا يعيشونها ،وعرض أساليبهم في التخذيل والتثبيط عن الخروج للحرب والانطلاق مع خط الجهاد ،ثم توجيه النبي إلى ما ينبغي له أن يواجه به هؤلاء من الموقف الحاسم الرافض لكل أعذارهم وأساليبهم ،لئلا يظنوا في أنفسهم أنهم استطاعوا استغفال النبي والمسلمين في ما تنطوي عليه نفوسهم ،وفي ما يخططون له من أعمال التخريب .
الفرح للتخلّف عن الجهاد
{فَرِحَ الْمُخَلَّفُونَ} الذين تخلّفوا عن الخروج إلى المعركة{بِمَقْعَدِهِمْ خلافَ رَسُولِ اللَّهِ} أي بعد خروجهعلى وجهأو مخالفة لهعلى وجهٍ آخر.فها هم يشعرون بأنهم قد نجحوا في أسلوبهم في إقناع النبي بمنحهم الإذن لهم في عدم الخروج ،وبذلك ارتفع الحرج عنهم ،والذي كانوا سيعيشونه لو لم يأذن لهم النبي( ص ) ،لأنهم سوف يواجهون إحدى مشكلتين ،إمّا التمرّد الذي يفضح واقعهم الداخليّ أمام المسلمين ،وإمّا الخروج الذي يعرّضهم للخطر في المعركة ،فها هم الآن يجدون أنفسهم وقد تخلّصوا من ذلك كله ،فأيّة فرحةٍ هي هذه الفرحة الذاتية في هذه اللحظات السعيدة التي تمثل الربح كله والفرح كله على مستوى الأجواء الملائمة والنتائج الإيجابية للخطة المرسومة .{وَكَرِهُواْ أَن يُجَاهِدُواْ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} لأنهم لا يعيشون الإخلاص له ،لكي يتحركوا في سبيل الأهداف الكبيرة التي يريدها في خطّ التضحية بالمال والنفس ،ولهذا فإن ردّ الفعل الطبيعي لديهم أمام دعوات الجهاد هو المقت والكراهية التي قد يحاولون إخفاءها ولكنهم لا يملكون السبيل إلى ذلك ،فيستسلمون للفضيحة عند أوّل بادرةٍ من كلمةٍ أو فعل أو حركةٍ مضادّةٍ .
التحجج بالحر
وقد أراد الله أن يواجههم بذلك ليعرفوا أنهم لا يملكون أساساً للأمن ،في ما يضمرون ويتآمرون .ويبدأ استعراض أساليبهم في تثبيط الناس عن الخروج للجهاد .{وَقَالُواْ لاَ تَنفِرُواْ فِي الْحَرِّ} وانتظروا زوال شدّته ومجيء الفصل المعتدل الذي يبرد فيه الجوّ ،فيعين الإنسان على تحمّل مشقّة الجهاد ،ليخلقوا بذلك حالةً من الارتباك والبلبلة في صفوف المسلمين ،وليثيروا في أنفسهم الشعور بالموانع والمشاكل التي تعترضهم في طريق الجهاد ،ولكن الله يثير أمامهم وأمام المسلمين مشكلة الحرّ من طريقٍ آخر ،وهي قضية الحرّ في الآخرة الذي ينتظرهم في نار جهنّم إذا تخلّفوا عن رسول الله وعصوا أمر الجهاد ،فعليهم أن يوازنوا بين حرارة الجو وحرارة النار ،فأيّهما يفضلون ؟ولا يتركهم الله ليختاروا وليفكروا في ذلك ،بل يعطيهم الفكرة الحاسمة:{قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَّوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ} ويفهمون ،ليعرفوا نتائج منطقهم وأسلوبهم في التخذيل والتنفير .