إلا أن هؤلاء الذين لا يحترمون عقولهم ،فلا يوجهونها إلى التفكير والبحث عن الحقيقة ،ولا يتحملون مسؤوليّة المصير ،فيبتعدون بخطواتهم عن السير في الاتجاه الصحيح ،فينكرون من دون أساس للإنكار ،ويكذّبون من دون حجّة على التكذيب{بَلْ كَذَّبُواْ بِمَا لَمْ يُحِيطُواْ بِعِلْمِهِ} ولم يملكوا حجته ،فإن من الطبيعيّ للجاهل أن يتوقف عند حدود جهله ،فلا يُثبت ولا ينفي إلاَّ إذا انطلق في البحث إلى نتيجةٍ إيجابيّةٍ أو سلبيّةٍ حاسمة ،ولكن كثيرين من الجهّال الذين لا يطيقون البحث ،يستعجلون التكذيب ليبرّروا بذلك انحرافهم وابتعادهم عن المسؤوليّة التي يمثلها خط الحق ،ثم يتحوّل الأمر عندهم إلى عقدةٍ مرضيّةٍ مستعصية تدفعهم إلى محاربته والاعتداء على رموزه .وقد ورد في حديث الإمام علي( ع ): «الناس أعداء ما جهلوا » .وهكذا كذّب هؤلاء بالقرآن الذي لم يحيطوا بعلمه{وَلَمَّا يَأْتِهِمْ تَأْوِيلُهُ} وتفسيره في ما يشتمل عليه من حقائق وأسرار ،ولكنها ليست أوّل بادرة تصدر من المكذبين الجاهلين ،بل هي سيرة البشريّة الكافرة التي لم ينطلق كفرها من موقع الحجة والبرهان ،بل من موقع العقدة المعادية ،{كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ} من قوم نوح وعاد وثمود وغيرهم ،فأخذهم الله بكفرهم وذنوبهم ،{فَانظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الظَّالِمِينَ} الذين ظلموا أنفسهم بالكفر والعصيان ،فعرّضوها للخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة ،وخذ منها العبرة للآخرين من خلال ما يستقبلون من قضايا العقيدة والعمل .