/م37
وفي الآية التالية إِشارة إِلى واحدة من العلل الأساسية لمخالفة المشركين ،فتقول: إِنّ هؤلاء لم ينكروا القرآن بسبب الإِشكالات والإِيرادات ،بل إِن تكذيبهم وإِنكارهم إِنّما كان بسبب عدم اطلاعهم وعلمهم به: ( بل كذبوا بما لم يحيطوا بعلمه ) .
في الواقع ،إِنّ سبب إِنكارهم هو جهلهم وعدم اطلاعهم ،لكن المفسّرين احتملوا احتمالات متعددة فيما هو المقصود من هذه الجملة وأن الجهل بأي الأُمور كان ،وكان تلك الاحتمالات يمكن أن تكون مقصودة من الجملة:
الجهل بالمعارف الدينية والمبدأ والمعاد ،كما ينقل القرآن قول المشركين في شأن المعبود الحقيقي ( الله ) ،حيث كانوا يقولون: ( أجعل الآلهة إِلهاً واحداً إِن هذا لشيء عجاب ){[1727]} .أو أنّهم كانوا يقولون في مسألة المعاد: ( أئذا كنّا عظاماً ورفاتاً ءأنا لمبعوثون خلقاً جديداً ){[1728]} ،( هل ندلّكم على رجل ينبئكم إذا مزقتم كلّ ممزق إنّكم لفي خلق جديد أفترى على الله كذباً أم به جنة ){[1729]} .
في الحقيقة لم يكن لهؤلاء أي دليل على نفي المبدأ والمعاد ،وكان الجهل والتخلف الناشئ من الخرافات والتعود على مذهب الأجداد هو السد الوحيد في طريقهم .
أو الجهل بأسرار الأحكام .
أو الجهل بمفهوم بعض الآيات المتشابهة .
أو الجهل بمعنى الحروف المقطعة .
أو الجهل بالدروس والعبر التي هي الهدف النهائي من ذكر تاريخ الماضين .
إِن مجموع هذه الجهالات والضلالات كانت تحملهم على الإِنكار والتكذيب ،في حين أن تأويل وتفسير وتحقق المسائل المجهولة بالنسبة لهؤلاء لم يبيّن بعد ( ولما يأتهم تأويله ) .
«التأويل » في أصل اللغة بمعنى إرجاع الشيء وعلى هذا فإنّ كل عمل أو قول يصل إِلى هدفه النهائي نقول عنه: إِن تأويله قد حان وقته ،ولهذا يطلق على بيان الهدف الأصلي من إِقدام معين ،أو التّفسير الواقعي لكلمة ما ،أو تفسير وإِعطاء نتيجة الرؤيا ،أو تحقق فرضية في ارض الواقع ،اسم التأويل .وقد تحدثنا بصورة مفصلة حول هذا الموضوع في المجلد الثّاني ذيل الآية ( 7 ) من سورة آل عمران .
ثمّ يضيف القرآن مبيناً أن هذا المنهج الزائف لا ينحصر بمشركي عصر الجاهلية ،بل إِنّ الأقوام السابقين كانوا مبتلين أيضاً بهذه المسألة ،فإِنّهم كانوا يكذبون الحقائق وينكرونها دون السعي لمعرفة الواقع ،أو انتظار تحققه: ( كذلك كذب الذين من قبلهم ) .وقد مرت الإِشارة أيضاً في الآيات ( 113 ) و ( 118 ) من سورة البقرة إِلى وضع الأمم السابقة من هذه الناحية .
الواقع ،إِنّ عذر هؤلاء جميعاً كان جهلهم ورغبتهم عن التحقيق والبحث في الحقائق الواقعية ،في حين أن العقل والمنطق يحكمان بأنّه لا ينبغي للإنسان إنكار ما يجهله مطلقاً ،بل يبدأ بالبحث والتحقيق .
وفي النهاية وجهت الآية الخطاب إِلى النّبي( صلى الله عليه وآله وسلم ) وقالت: ( فانظر كيف كان عاقبة الظالمين ) أي إِنّ هؤلاء سيلاقون أيضاً نفس المصير .
/خ40