{أَسْتَخْلِصْهُ}: أجعله خالصاً لنفسي .
{مِكِينٌ}: المكين: صاحب المكانة والمنزلة .
الملك يستخلصه لعلمه وأمانته
...وهكذا برز يوسف كشخصية مميّزة أمام الملك ،فهو يملك العلم والخبرة اللذين يؤهلانه للتخطيط للحكم ،وللدولة بشكل سليم ،كما يملك الطهارة الأخلاقية ،والعمق الروحي اللذين يساعدانه على سلامة التنفيذ ،دون أيّ خلل أو انحراف ،مما يضيف قوّة جديدة للحكم متمكنة من إدارة الدولة بطريقة ناجحة ،ومعالجة للمشاكل الصعبة ،والأزمات الخانقة .وهكذا فكر الملك أن يستدعيه ليساعده على إدارة أمور الدولة .
{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ أَسْتَخْلِصْهُ لِنَفْسِي} لأني بحاجة إلى العقل الذي يفكر ،والإرادة التي تحسم ،والأمانة التي تحفظ ،والوداعة التي تحب وترعى وتحنو ،وهذا ما لم أجده لدى كثيرين ممن يجتمعون حولي لأجل أطماعهم وشهواتهم ،إذ أن قربهم من الحاكم يتيح لهم بعض فرص الحكم للعبث والسرقة والظلم ما توفرت الفرص المناسبة لذلك .وجاء يوسف بعد أن حصل على البراءة من التهمة التي أُلصقت به ،ليتحمل المسؤولية من موقع التاريخ المشرق الطاهر الذي لا تلوثه جموح الغرائز في اتجاه الجنس المنحرف ،ولا يسقطه الضعف المتهالك أمام حالات التحدي .
لقد جاء يحمل في شخصيته ،الوعي والقوة والثقة بالموقع وبالنفس ،وبالروح التي تشعر بأنها ليست بحاجة إلى الآخرين ،لتسقط أمام رغباتهم ،بل إن الآخرين هم الذين يشعرون بالحاجة إليها ،لتفرض عليهم شروطها .وهكذا قابل يوسف الملك ،الذي عبّر أمام الناس أنه يريد أن يستخلصه لنفسه ،ليستفيد من طاقاته أعظم استفادة ،{فَلَمَّا كَلَّمَهُ} عرف طبيعة القوّة التي يتمتع بها ،والعقل الذي يحمله ،والشخصية الصلبة التي يملكها ،{قَالَ إِنَّكَ الْيَوْمَ لَدَيْنَا مِكِينٌ أَمِينٌ} فلك المكانة التي تتيح لك تنفيذ كل رغباتك ،ولك منا الثقة التي تجعلنا نأتمنك على كل شيء ،فاطلب ما تريد من مواقع المسؤولية ،لأنك تعرف حجم قدراتك وطبيعة خبرتك في إدارة أمور المجالات التي ترتئيها .