{مُعَقِّبَاتٌ}: حفظة يعقبون الإنسان في مسيره إلى الله .
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِّن بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} وتدخل الآية ضمن حديث الله عن تدبيره لحياة الإنسان عبر قواعد وضوابط وقوانين تحكمها في ثلاث نقاط:
1إن الله قد جعل للإنسان في حياته عوامل وعناصر تحيط به من كل جوانبه وتتعاقب على مدار الساعة بحيث يتبع بعضها بعضاً بشكل متواصل ،وهذا ما عبّر عنه بالمعقّبات التي تتناوب في حياته ،فلا تتركه وحده ،{يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} بما يمثله ذلك الأمر من أوضاع وأخطار تجرها إليه سنن الله المودعة في الكون ،مما قد يهدم حياته ،ويهزم استقراره ،إذا واجهها وحده ،دون ما وفره الله لصونه من عناصر الحماية والدفاع في نفسه وجسده ،بحيث لا يشعر الإنسان بالقلق والضياع أمام الكون الكبير المملوء بالأخطار والمهالك ،بل يشعر بالثقة الكبيرة ،لما ركّبه الله في داخله من أجهزةٍ ،وهيّأ له من أسبابٍ ،وما أحاطه به من عنايةٍ ورعايةٍ .فحسبه أنه يتحرك في أجواء الحفظ الشامل من قبل الله .
2{إِنَّ اللَّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ}: وهي النقطة الثانية في تدبير الله لأمر الإنسان ،فهو لم يخضع الإنسان للقوانين الحتمية التي تتحكم به وتصوغه بطريقةٍ جامدة ثابتةٍ لا يملك معها لنفسه أية فرصةٍ للتغيير وللتبديل ،بل خلقه خلقاً حيوياً يتحرك بفعل الإرادة المتحركة التي تتنوّع فيها الأفكار والمواقف ،ما يجعل مصيره محكوماً لإرادته ،فهو الذي يصنع تاريخه بقراره الإرادي الحر ،وهو الذي يملك تغيير واقعه بتغيير الأفكار والمفاهيم والمشاعر التي تحكمه وتحرك حياته ،فقد أراد الله للإنسان أن يملك حريته ،ويتحمل مسؤولية نفسه من موقع هذه الحرية ،كما أراد أن يدفعه إلى أن يواجه عملية التغيير في الخارج بواسطة التغيير في الداخل ،فهو الذي يستطيع أن يتحكم بالظروف المحيطة به ،بقدر علاقتها به ،وليس من الضروري أن تتحكم به .فالإنسان هو صانع الظروف ،وليست الظروف هي التي تصنعه .
وعلى ضوء ذلك ،نستطيع اعتبار العامل الأساس في التغيير هو الإنسان بما يحمله من مفاهيم وأفكار حول الحياة الدائرة حوله ،ذلك أن المشاريع المتنوعة التي تحكم الواقع ،تبدأ كفكرةٍ ثم تتحول إلى مشروع ،وهذا ما يؤكد تكريم الله للإنسان في إرجاع أمره إلى نفسه ،فهو الذي يغيّر واقعه بتغيير نفسه ،وهو الذي يغيّر نفسه بعمق إرادته وامتداد أفقه .
3{وَإِذَآ أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلاَ مَرَدَّ لَهُ}: فهو صاحب الكلمة الأولى والأخيرة في مستقبل الإنسان ،في حياته وموته ،في قوته وضعفه ،وفي صحته ومرضه ،وهكذا يملك الله إيقاع السوء بالإنسان ،كما يملك دفعه عنه ،ولا يملك أحدٌ له شيئاً إذا أراد الله به شيئاً{وَمَا لَهُمْ مِّن دُونِهِ مِن وَالٍ} يلي أمرهم ويدفع عنهم ذلك كله .وهذا ما يؤكّد للإنسان ارتباطه بربّه بالمستوى الذي ينقطع بذاك الارتباط عن غيره ،طلباً لحماية نفسه من أيّ شر ،الأمر الذي يدفعه للابتعاد عن إقامة أيِّ علاقةٍ مع الآخرين بغرض تأمين الحماية لذاته ،فالله هو الذي يجب أن يفكر به من هذه الناحية ،بالإضافة إلى النواحي الأخرى التي تفرض على الإنسان أن يعبد الله من موقع حقيقة الألوهية فيه ،والعبودية في الإنسان .