{يَمْحُو اللَّهُ مَا يَشَآءُ وَيُثْبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الْكِتابِ}: هل هذه الفقرة من الآية تتعلق بالمحو والإثبات في عالم المعرفة ،وما يبديه الله للناس من علوم ،دون أن يبيّن لهم شروط وجود الأشياء وبقائها ،فيمحو الله بعض ما أثبته في علم الناس لمصلحةٍ ما ،ويثبت بعض ما محاه لديهم ،دون أن يختلف علمه في ذلك كله ،لأن لديه علم حقيقة الأشياء الذي تعبر عنه كلمة أم الكتاب ؟
أم أن هذه الفقرة تتعلق بالمحو والإثبات في عالم التكوين ،باعتبار أن الله يتصرّف في الكون ،فيغيّر ما يريد تغييره ،ويمحو ما أثبته من ظواهر الكون وأحداث الحياة ،ويثبت بعض الأشياء وعنده أم الكتاب ،باعتبارها الأساس في ما أجراه من سنن وقوانين حاكمةٍ على طبائع الأشياء ،وبما توحيه الكلمة من أن للأشياء أساساً ثابتاً عند الله ؟
ربما كان المعنى الثاني هو الأقرب لكلمة: «لكل أجل كتاب » في ما توحيه من أن للأوقات خصائصها في حكم الله على القضايا والأوضاع والأحداث ،سلباً أو إيجاباً ،فقد يثبت الله شيئاً في وقت ،ثم يمحوه في وقت آخر ،أو العكس ،لأن الاختلاف في مقتضيات الأشياء باختلاف الأوقات منطلق من إرادة الله في المحو والتثبيت ،لا من خصائص الأشياء الذاتية ،وبذلك تكون الفقرة بمثابة التعليل للثانية ،فيتحقق الانسجام بين الفقرتين ..ولعل هناك وجوهاً أخرى يذكرها المفسرون ،لا تعدو أن تكون مجرد احتمالاتٍ أو تخصيصاتٍ بأمور لا دليل عليها من سياق الآية ،والله العالم .