{يمحو الله ما يشاء ويثبت وعنده أم الكتاب39} .
المفردات:
يمحو: المحو: الإزالة ،والمراد به هنا: نسخ الشرائع والأحكام وتغييرها .
أم الكتاب: أصل الكتاب ،والمراد به: علم الله تعالى ،أو اللوح المحفوظ .
التفسير:
39{يمحو الله ما يشاء ويثبت ...} .
أي: ينسخ ما يشاء نسخه من الأحكام ؛لما تقتضيه الحكمة بحسب الوقت .
{ويثبت} .بدله ما فيه المصلحةxli ؛فإن الحكمة تقتضي: أن ينسخ الله ما يشاء أن ينسخه من الأحكام والشرائع بحسب الوقت ،ويثبت بدله ،أو يبقيه على حاله من غير نسخ ؛لأن الشرائع كلها لإصلاح أحوال العباد في المبدأ والمعاد ،وقد جعل الله الشرائع كلها متفقه في الأصول ،التي لا سبيل إلى تغييرهاxlii ،مثل عبادة الله عز وجل ،والإحسان إلى الوالدين ،وتحريم القتل والزنا ،وأكل مال اليتيم ،والأمر بالعدل ،والوفاء بالعهد ،والتزام آداب الإسلام . فهذه الأصول وأمثالها: لا تتغير ولا تتبدل بتغير الرسالات والكتب السماوية ،أما الفروع: فإنها عرضة للتغير والتبديل ،كطريقة الصيام وزمنه ،ومقادير الزكاة والأصناف التي تزكى ،وغير ذلك مما يتغير بتغير الأجيال وأحوالهمxliii .
وقد أورد ابن جرير الطبري آراء متعددة في تفسير هذه الآية ،ونقلها عنه ابن كثير في تفسيره ،ولخصها عدد من المفسرين ،ومن هذه الآراء ما يأتي:
1الآية عامة في كل ما يمحوه الله ويثبته ،وظاهر النظم القرآني: العموم في كل شيء مما في الكتاب ،فيمحو ما يشاء محوه من شقاوة أو سعادة ،أو رزق أو عمر ،ويبدل هذا بهذا ويجعل هذا مكان هذا ،لا يسأل عما يفعل وهم يسألون ،وإلى هذا ذهب عمر بن الخطاب وابن مسعود وابن عباس وقتادة وغيرهم .
روى ابن جرير ،وابن كثير: أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال وهو يطوف بالبيت ويبكي: اللهم إن كنت كتبت علي شقوة أو ذنبا فامحه ،فإنك تمحو ما تشاء وتثبت وعندك أم الكتاب فاجعله سعادة ومغفرة .
2روي عن ابن عباس في معنى:{يمحو الله ما يشاء ويثبت}: قال: كل شيء إلا الموت والحياة ،والشقاء والسعادة ؛فإنهما قد فرغ منهما .
3يمحو من ديوان الحفظة الذين ديدنهم كتابة كل قول وعمل: مالا يتعلق به الجزاء أو يمحو سيئات التائب ويثبت مكانها الحسنة .
4وقال آخرون:{يمحو الله ما يشاء} من الشرائع بالنسخ ،ويثبت ما يشاء فلا ينسخه ولا يبدله .
5وقال آخرون: يمحو الله المحن والمصائب بالدعاء .
قال أبو السعود في التفسير:
والأنسب تعميم كل من المحو والإثبات ؛ليشمل الكل .
وقال الإمام الشوكاني في فتح القدير:
الأولى حمل الآية على عمومها ،فالمراد منها: أنه يمحو ما يشاء مما في اللوح المحفوظ ،فيكون كالعدم ،ويثبت ما يشاء ،مما فيه فيجري فيه قضاؤه وقدره على حسب ما تقتضيه مشيئته .وهذا لا ينافي ما ثبت عنه صلى الله عليه وسلم من قوله: ( جف القلم )xliv ؛لأن المحو والإثبات هو من جملة ما قضاه سبحانه .
{وعنده أم الكتاب} .هو علم الله ،وجميع ما يكتب في صحف الملائكة ،لا يقع حيثما يقع إلا موافقا لما يثبت فيه ،فهو أم لذلك ،فكأنه قيل: يمحو الله ما يشاء محوه ،ويثبت ما يشاء ،وهو ثابت عنده في علمه الأزلي ،الذي لا يكون شيء إلا وفق ما فيه .