{مُلْتَحَدًا}: ملجأ ،حرزاً ،محيصاً ،ميلاً .
مناسبة النزول
وقد ذكر المفسرونفي سبب نزول هذه الآيةأن عيينة الفزاريأحد رؤوس المشركينأتى النبي ( ص ) ،فرأى عنده جماعة من فقراء أصحابه ،فيهم سلمان الفارسيّ ،وعليه شملةٌ قد عرق فيها ،وبيده خُوصورقة النخلفقال عيينة لرسول الله( ص ): أما يؤذيك ريح هؤلاء ،ونحن سادات مضر وأشرافها ،فإن أسلمنا أسلم الناس ،وما يمنعنا من اتباعك إلا هؤلاء ،فنحِّهم عنك حتى نتبعك ،أو اجعل لهم مجلساً ولنا مجلساً ..فنزلت الآية .
وقد لا نستطيع الجزم بصحّة هذه الرواية ،ولكن جوّ الآية يوحي بوجود شيءٍ من هذا القبيل ،لأن القرآن كان يرعى حركة الرسالة في شخصية الرسول وفي حركة المؤمنين ،ليضع له ولهم المنهج من خلال القضايا المطروحة آنذاك ،التي كانت تعتبر نقطة انطلاقٍ لتأكيد المنهج وتثبيت القاعدة ،فلم تكن المسألة ردّ فعل للواقع المضادّ ،بل كانت بمثابة تحريك النظرية من موقع التطبيق ،وتركيز القاعدة من خلال الواقع .
وحي الله هو الحقيقة النهائية
وهذا خطاب للنبي محمد ( ص ) بصفته الرسالية التي تتحرك في خط الدعوة إلى الله ،والعمل في سبيله ،والإشراف على حركة الواقع في هذا الخط ...وبذلك يكون خطاباً لكل داعية رسالي في طريقة حمله للدعوة ،وفي علاقته بالمؤمنين ،لأن خصوصية الخطاب للدعوة في خطه ،لا للنبوة في شخصه .
{وَاتْلُ مَآ أُوْحيَ إِلَيْكَ مِن كِتَابِ رَبِّكَ} وبلّغ للناس الحقيقة الحاسمة الكاملة من دون زيادة ولا نقصان .{لاَ مُبَدِّلَ لِكَلِمَاته} لأن الله هو الذي يوحي بالكلمة من موقع علمه الكامل بالأشياء في ما يصلح الحياة وما يفسدها ،فلا مجال لأي تغييرٍ أو تبديلٍ فيها ،لأنها لا تنطلق من خلال الظروف المحدودة القابلة للتغيير ،أو العلم المحدود الذي قد يكتشف الخطأ في بعض معلوماته ...وهكذا يؤكد الله هذه الحقيقة ،ليعرف النبي( ص ) والدعاة من بعده ،أن وحي الله هو الحقيقة النهائية التي لا مجال فيها لأي تغيير ،فينطلقوا في الدعوة من موقع الثقة والثبات ،لا من موقع الحيرة والاهتزاز .
الله هو المحيط بكل شيء
{وَلَن تَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا} ولن تستطيع أن تتجه إلا إليه ،لأنه يحيط بك وبالكون كله من جميع الجهات ،وبذلك كانت كلماته هي الحقيقة التي لا مجال للمعرفة إلا من خلالها في ما تحتاجه الحياة في وجودها المستقر ،فلا مفر إلى أيّ مكانٍ لغير الله ليميل إليه أو يلتجأ إليه .وبذلك ،يعيش الداعية وحدة الاتجاه في حركة الرسالة ،من حيث وحدة الحقيقة ووحدة المصدر لها ،وهو الله ،فلا تنحرف خطواته عن الخط المستقيم .