] وَإِنْ عَزَمُواْ الطَّلاقَ[ وأكدوه ونفّذوه بإطلاق صيغة الطلاق بشروطه الشرعية ،لأنَّ الزوج لم يجد صلاحاً لنفسه أن يستمر على الحياة الزوجية مع هذه الزوجة ،ولا يملك أن يبقى معها في حالة التجميد بمقتضى يمينه ،لأنَّ الشريعة لا تسمح له بذلك ؛] فَإِنَّ اللّه سَمِيعٌ[ لما اتفقا عليه ،فهو الذي يسمع الكلمات التي تحلّ المشكلة بالطلاق أو بغيره ،] عَلِيمٌ[ بما تضمره صدورهم ،وعليم بأسرار الواقع كلّه .
وهذا التفصيل بين حالة الرجوع وحالة عزم الطلاق ،خاضع للتخيير بين الأمرين ،فلا يسمح له بالبقاء على يمينه وتجميد الحياة الزوجية ؛كما تفيده الآية .وهناك أحكام تفصيلية في موضوع الإيلاء وحدوده وشروطه ،يرجع إليها في الفقه… أمّا ما نريد الإشارة إليه ،فهو أنَّ اللّه قد فرض على الإنسان أن يتراجع عن يمينه في الحالة التي يتحوّل فيها اليمين إلى عنصر مضاد للحكم الشرعي ،وإلى وسيلة من وسائل الضغط النفسي على الآخرين بالاعتداء على حقوقهم الشرعية ؛وبذلك كانت هذه الآية نموذجاً تطبيقياً للآية السابقة:] وَلاَ تَجْعَلُواْ اللّه عُرْضَةً لأيْمَانِكُمْ[...الخ .
مدلول الأربعة أشهر:
ويبقى هناك سؤال: ما خصوصية الأربعة أشهر ؟
ذكر مالك بن أنس في الموطأ ،عن عبد اللّه بن دينار قال: خرج عمر بن الخطاب من الليل ،فسمع امرأة تقول:
تطاول هذا الليل واسودّ جانبه وأرّقني أن لا خليل ألاعبه
فواللّه لولا اللّه أني أراقبه يحرّك من هذا السرير جوانبه
فسأل عمر ابنته حفصة: كم أكثر ما تصبر المرأة عن زوجها ؟فقالت: ستة أشهر أو أربعة أشهر .فقال عمر: لا أحبس أحداً من الجيوش أكثر من ذلك .
ولكنَّنا لا نستطيع تأكيد حدّ المرأة في المسألة الجنسية في مدّة زمنية معينة من خلال تجربة امرأةٍ واحدة في حاجتها الغريزية ،بلحاظ أقصى ما تصبر عليه من الحرمان ،لأنَّ النساء يختلفن في ذلك من حيث النوع ،كما أنَّ الرجال يختلفون فيه ،ولا سيما إذا لاحظنا الأحاديث التي تدل على أنَّ قوّة شهوة المرأة بأضعاف شهوة الرّجل ،وأنها لولا الحياء الذي رُكِّب فيها ،لاندفعت في اتجاه هذه الشهوة إلى درجة الانحراف .
وجاء في الحديث عن الإمام عليّ بن موسى الرضا ( ع ) ،في رواية صفوان بن يحيى أنه سأله عن الرّجل يكون عنده المرأة الشابة ،فيمسك عنها الأشهر والسنة لا يقربها ،ليس يريد الإضرار بها يكون لهم مصيبة ،أيكون في ذلك آثماً ؟قال: إذا تركها أربعة أشهر ،كان آثماً بعد ذلك .
وفي ضوء هذا ،أفتى العلماء في المذهب الإمامي ،أنَّ المرأة لا تملك حقّاً على الرّجل في الجماع إلاَّ مرّة في الأربعة أشهر ،استناداً إلى هذه الرِّواية واستيحاءً من حكم الإيلاء .
ولكن يمكن للفقيه أن يستفيد من قوله تعالى:] وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوف وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكُيمٌ[ [ البقرة:228] ،أنَّ حقّ المرأة في الوقاع كحق الرّجل فيه ،بحيث يجب عليه الاستجابة لحاجتها الجنسية إذا طلبت ذلك منه ،كما يجب عليها الاستجابة له في حال طلبه ذلك منها ؛لأنَّ الدرجة التي ذكرت قد يكون المراد بها القوامة التي يملك بها حق الطلاق مما يميّزها عنه ،لأنَّ طبيعة الزواج من الناحية الشرعية يفرض إشباع الغريزة لدى كلٍّ من الطرفين في نطاقه ،لئلا يضطر إلى الانحراف بالبحث عن ذلك خارج نطاقها .وقد تكون المرأة أكثر إلحاحاً وحاجة من الرّجل في نطاق التشريع ،لأنَّ اللّه أباح للرّجل الزواج بأكثر من واحدة ،كما أباح له المتعة في رأي الشيعة الإمامية ،ولم يبح ذلك للمرأة ؛فكيف يمكن أن تعصم نفسها وتشبع غريزتها في مستوى ثلاث مرات في السنة ؟وقد جاء في الرِّواية عن الإمام جعفر الصادق في رواية بعض رجاله ،قال: من جمع من النساء ما لا ينكح ،فزنى منهن شيء ،فالإثم عليه .
وقد يخطر بالبال ،أنَّ الأربعة أشهر تمثّل الحدّ الأقصى الذي يمكن للرّجل أن يقف عنده في الأوضاع الطارئة ،كما في حال اليمين على الترك أو المصيبة أو السفر ،على بعض الآراء ،أو نحو ذلك ...لا في الحالات الطبيعية ،ولعلّ تشريع القسمة للزوجات ،بل للزوجة الواحدة ،يوحي بالتأكيد على تهيئة الأجواء المناسبة التي تقود الزوجين إلى الاستمتاع الدائم في مدى أربعة أيام ،على الأكثر ،باعتبار أنَّ المبيت إذا لم يكن مشروطاً ،في القسم ،بالجماع ،كما هو منطوق بعض الأخبار وفتوى المشهور من الفقهاء ،فهو منفتح عليه من خلال طبيعة الغريزة في أجواء الإثارة الطبيعية بالمضاجعة الليلية في حياة الزوجين .
إننا نريد إثارة هذه المسألة ،من أجل التنبيه إلى ضرورة التوفيق بين العناوين القرآنية للحياة الزوجية وبين طبيعة الفتاوى والرِّوايات الواردة في هذا المجال ،وإلى الانطلاق من ارتكاز الزواج في الرّجل والمرأة على تحصين النفس ضدّ الانحراف لمصلحة العفة الجنسية ،وهذا مما لا يتفق مع الحدود التي وضعها الفقهاء لحقّ المرأة في الجنس ،فلا بُدَّ من ملاحظة ذلك في مسألة الاجتهاد ؛واللّه العالم .