تزويد اللّه الإنسان بكلّ مستلزمات الخلافة:
] وَعَلَّمَ ءَادَمَ الأَسْمَآءَ كُلَّهَا[ فقد أعطاه اللّه علم الأشياء التي تتصل بمسؤولياته من مفردات الموجودات الأرضية ،وطريقة إدارتها ،واستعمالها في ما يمكن أن يجدّد عناصر الحياة فيها ،ويعمّرها ،ويصنع منها الصناعات التي تسهّل أمور العيش للإنسان ،وتدفع به إلى تطوير طاقاته إلى المستوى الأفضل ،وغير ذلك ،ما يجعل وعيه الإنساني شاملاً لكلّ الأشياء والأوضاع والأعمال والنتائج المتصلة بقضايا وجوده ،ليكون أهلاً للقيام بمهمّة الخلافة الأرضية التي يتحرّك فيها بحرية العقل والإرادة والحركة المتنوّعة في شؤون الجماد والنبات والحيوان ،بالإضافة إلى شؤونه الإنسانية الخاصة ،مما أوكل اللّه إليه أمره ،ليكون أداؤه لوظيفته الفكرية والعملية أداءً متقناً منفتحاً على الخير كلّه في مسؤولياته العامة والخاصة .
آدم يعرض الأسماء على الملائكة:
] ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَئِكَةِ[ بالطريقة التي يتعرفون فيها أشكالها ،وأوضاعها ،وأنواعها ،ومواقعها ،وغير ذلك مما لا سبيل لنا إلى معرفة خصوصياته ،لأنَّ للّه حكمته وقدرته في أسلوب هذا العرض ،الذي يفتح للملائكة أبواب المعرفة ،بالمستوى الذي يريد لهم أن يصلوا إليه بالمشاهدة أو بالإلهام .] فَقَالَ أَنبِئُونِى بِأَسْمَآءِ هَؤُلاَءِ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ[ في المدى الواسع الذي تملكونه من العلم في ما يؤهلكم للخلافة في الأرض ،وللاطلاع على بواطن هذه الأشياء وحقائقها وخصوصياتها .
وهذا أسلوب دقيق يوحي بالعجز الملائكي عن هذا المستوى المعرفي ،لأنَّ اللّه أعطى لكلّ مخلوق من مخلوقاته دوراً معيناً محدوداً يتحرّك في دائرته ولا يتجاوزه ،لتكون الحياة في تنوعاتها وأوضاعها ومواقعها ،عملية تكامل بين المخلوقات في الأدوار الموضوعة لها والخطط المرسومة لحركتها ،فلا يملك مخلوق أن يقوم بدور مخلوق آخر ،فللملائكة دورهم في الوظائف التي وُظِّفوا لها في إدارة النظام الكوني ،وللإنسان دوره في المسؤوليات التي حمّله إياها في شؤون نفسه ،وفي شؤون الأرض التي يتحرّك فيها ،وللظواهر الكونية المتناثرة في الكون الواسع أدوارها الخاصة هنا وهناك ،فالنظام الكوني نتاج ذلك كلّه .
والظاهر أنَّ الأسلوب القرآني في خطاب اللّه للملائكة جارٍ على أساس تأكيد جهلهم بهذه الأسماء في مسمياتها ،تماماً كما تقول: أخبر بما في يدي إن كنت صادقاً ،أي: إن كنت تعلم فأخبر به ،لأنه لا يمكنه أن يصدق في مثل ذلك ،كما جاء في مجمع البيان .