الملائكة في بودقة الاختبار
كان آدم يملكبفضل اللهقابلية خارقة لفهم الحقائق .وشاء الله أن ينقل هذه القابلية من مرحلة القوّة إلى مرحلة الفعل ،وهذا ما عبر عنه القرآن بقوله: ( وَعَلَّمَ آدَمَ الأَسْمَاءَ كُلَّهَا ) .
اختلف المفسرون في تفسير «تعليم الأسماء » ،ومن المؤكد أن المقصود من ذلك ليس هو تعليم الأسماء دون المعاني .فذلك لا يكسب آدم فخراً .بل المقصود هو معاني الأسماء والمفاهيم والمسميات .
هذا العلم بالكون وبأسرار الموجودات وخواصها ،كان مفخرة كبيرة لآدم طبعاً .
عن أبي العباس قَال: سألت الإِمام الصادق( عليه السلام ) عن قولِ الله: وَعلّمَ آدَمَ الأَسماءَ كلها ،ماذا علّمه ؟قال: «الأَرَضِينَ وَالجبال والشعابَ والأوديةَ ثم نظر إلى بساط تحته فقال: وهذا البساط ممّا علّمهُ »{[111]} .
علم الأسماء إذن لم يكن يشبه «علم المفردات » ،بل كان يرتبط بفلسفة الأسماء وأسرارها وكيفياتها وخواصها .والله سبحانه منح آدم هذا العلم ليستطيع أن يستثمر المواهب المادية والمعنوية في الكون على طريق تكامله .
كما منح الله آدم قابلية التسمية ،ليستطيع أن يضع للأشياء أسماء ،وبذلك يتحدث عن هذه الأشياء بذكر اسمها لا بإحضار عينها .وهذه نعمة كبرى ،نفهمها لو عرفنا أن علوم البشرية تنقل عن طريق الكتب والمدوّنات .وما كان هذا التدوين مقدوراً لولا وضع الأسماء للأشياء وخواصها .
( ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلاَئِكَةِ فَقَالَ: أَنْبِؤُنِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلاءِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقينَ ...)وأمام هذا الاختبار تراجع الملائكة لأنهم لم يملكوا هذه القدرة العلمية التي منحها الله لآدم ،( قَالُوا: سُبْحَانَكَ لاَ عِلْمَ لَنَا إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَا إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ ) .
وهكذا أدركت الملائكة تلك القدرة التي يحملها آدم ،التي تجعله لائقاً لخلافة الله على الأرض .وفهمت مكانة هذا الكائن في الوجود .
/خ33