{ ( 31 ) وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين ( 32 ) قالوا سبحانك لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم ( 33 ) قال يا آدم أنبئهم بأسمائهم فلما أنبأهم بأسمائهم قال ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض و أعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون}
تقدم في بيان معنى الخليفة أن علم الملائكة وعملهم محدودان ، وأن علم الإنسان وعمله غير محدودين ، وبهذه الخاصة التي فطر الله الناس عليها كان الإنسان أجدر بالخلافة من الملائكة .
وهذه هي حجة الله البالغة على الملائكة التي بينها لهم بعد ما نبههم إلى علمه المحيط بما لا يعلمون .
فقال{ وعلم آدم الأسماء كلها} أي أودع في نفسه علم جميع الأشياء من غير تحديد ولا تعيين ، فالمراد بالأسماء المسميات عبر عن المدلول بالدليل ، لشدة الصلة بين المعنى واللفظ الموضوع له ، وسرعة الانتقال من أحدهما إلى الآخر .والعلم الحقيقي إنما هو إدراك المعلومات أنفسها ، والألفاظ الدالة عليها تختلف باختلاف اللغات التي تجري بالمواضعة والاصطلاح فهي تتغير وتختلف والمعنى لا تغير فيه ولا اختلاف .
قال الأستاذ:ثم إن الاسم قد يطلق إطلاقا صحيحا على ما يصل إلى الذهن من المعلوم أي صورة المعلوم في الذهن ، وبعبارة أخرى:ما به يعلم الشيء ، عند العالم ، فاسم الله مثلا هو ما به عرفناه في أذهاننا ، بحيث يقال:أننا نؤمن بوجوده ، ونسند عليه صفاته ، فالأسماء هي ما به نعلم الأشياء ، وهي العلوم المطابقة للحقائق .والاسم بهذا الإطلاق هو الذي جرى الخلاف في أنه عين المسمى أو غيره ، وقد كان اليونانيون يطلقون على ما في الذهن من المعلوم لفظ الاسم ؛ والخلاف في أن ما في الذهن من الحقائق هو عينها أو صورتها مشهور كالخلاف في أن العلم عين المعلوم أو غير المعلوم ، وأما الخلاف في أن الاسم الذي هو اللفظ عين المسمى أو غيره فهو ما أخطأ في الناظرون لعدم الدقة في التمييز بين الإطلاقات لبداهة أن اللفظ غير معناه بالضرورة ، والاسم بذلك الإطلاق الذي ذكرناه هو الذي يتقدس ويتبارك ويتعالى{ سبح اسم ربك الأعلى}{ تبارك اسم ربك ذي الجلال والإكرام} فاسمه جل شأنه ما يمكننا أن نعلم منه ما نعلم من صفاته ؛ وما يشرق في أنفسنا من بهائه وجلاله ، ولا مانع من الأسماء هذا المعنى ، وهو لا يختلف في التأويل عما قالوه من إرادة المسميات ولكنه على ما نقول أظهر وأبين .
( وأقول ) تقدم لنا في أول سورة الفاتحة أن اسم الله تعالى يسبح وبعظم ومنه إسناد التسبيح إليه قولا وكتابة .وتسبيحه وتعظيمه بدون ذكر اسمه خاص بالقلب ، ومن تعمد إهانة اسم الله تعالى يكفر كمن يتعمد إهانة كتابه .
ثم إن الذي يتبادر إلى الفهم من صيغة التعليم هو التدريج قال تعالى{ 2:151 ويعلمكم ما لم تكونوا تعلمون} وما كان ذلك إلا تدريجا وهذا ظاهر في جميع الآيات التي فيها لفظ التعليم كقوله{ 4:115 وعلمك ما لم تكن تعلم} وقوله{ 3:48 ويعلمه الكتاب والحكمة والتوراة والإنجيل} إلى غير ذلك – ولكن المتبادر من تعليم آدم الأسماء:أنه كان دفعة واحدة إذا أريد بآدم شخصه بالفعل أو بالقوة ، ولذلك قال شيخنا:
علم الله آدم كل شيء ولا فرق في ذلك بين أن يكون له هذا العلم في آن واحد أو في آنات متعددة والله قادر على كل شيء ، ثم إن هذه القوة العلمية عامة للنوع الآدمي كله ، ولا يلزم من ذلك أن يعرف أبناؤه الأسماء من أول يوم فيكفي في ثبوت هذه القوة لهم معرفة الأشياء بالبحث والاستدلال ، علم الله آدم الأسماء على نحو ما بينا{ ثم عرضهم على الملائكة} أي أطلعهم اطلاعا إجماليا بالإلهام الذي يليق بحالهم على مجموع تلك الأشياء ولو عرضت على نفوسهم عرضا تفصيليا لعلموها ولم يكن علمهم محدودا والحال أنه عرضها عليهم وسألهم عنها سؤال تعجيز .
{ فقال أنبئوني بأسماء هؤلاء} المسميات والغرض من الإنباء بأسمائها الإبانة عن معرفتها ومعنى{ إن كنتم صادقين} أي إن كان هناك موقع للدهشة والاستغراب من جعل الخليفة في الأرض من البشر ، وكان ما طرق نفوسكم وطرأ على أذهانكم أولا حالا محله ، ومصيبا غرضه ، ولما تعرفوا حقيقة ما يمتاز به الخليفة فأنبئوني بأسماء ما عرضته عليكم .