{ قالوا سبحانك} أي تنزيها لك ، فلفظ سبحان مصدر قلما يستعمل إلا مضافا كمعاذ الله ، وهو منصوب بفعل مقدر ، والمعنى نقدسك وننزهك أن يكون علمك قاصرا فتخلق الخليفة عبثا ، أو تسألنا شيئا نفيده وأنت تعلم أننا لا نحيط بعلمه ، ولا نقدر على الأنباء به ، وكلمة"سبحانك "تهدي إلى هذا فكأنها جملة وحدها ، وهذه هي البلاغة مضروب سرادقها ، مثمرة حدائقها ، متجلية حقائقها ، على أن القصة وردت مورد التمثيل ، والله يقول الحق وهو يهدي السبيل ، وبعد تنزيه الباري تبرؤا من علمهم إلى علمه تعالى وحكمته فقالوا{ لا علم لنا إلا ما علمتنا} وهو محدود لا يتناول جميع الأسماء ولا يحيط بكل المسميات{ إنك أنت العليم} بخلقك{ الحكيم} في صنعك .
قال الأستاذ:إن هذه التأكيدات{[26]} تشعر بأن سؤال الاستغراب الأول كان يتنسم منه شيء ؛ وكذلك الجواب عن{ أنبئوني} بقولهم{ لا علم لنا} ولذلك ختموا الجواب بالتبرؤ من كل شيء والثناء على الله تعالى بالعلم الثابت الواجب لذاته العلية ، والحكمة البالغة اللازمة له ، فقد تقدم في تفسير الفاتحة أن صيغة ( فعيل ) تدل غالبا على الصفات الراسخة اللازمة ، فكان جواب الملائكة بهذا مؤذنا بأنهم رجعوا إلى ما كان يجب أن لا يغفل مثلهم عنه ، وهو التسليم لسعة علم الله وحكمته حتى يبلغ الكتاب أجله .