تمرّد جديد لبني إسرائيل واستمرار نعم اللّه عليهم:
وهذا موقفٌ آخر يحدّثنا اللّه فيه عن طبيعة التمرّد التي كانت طابع أفراد هذا الشعب ،فلم يسكنوا إلى ما أفاضه اللّه عليهم من النعم ،وأراهم من الدلائل والبيّنات ،وخلّصهم من المآزق والأزمات ،مما يوحي بعظمة اللّه ورحمته المتمثّلة في ذلك كلّه ،بل أعلنوا الموقف المتمرّد الذي يهدف إلى التحدّي ولا يهدف إلى الإيمان .
] وَإِذْ قُلْتُمْ يَامُوسَى لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللّه جَهْرَةً[ أي عِياناً ،تماماً كما يشاهد أحدنا الآخر ،وهو ما يدل على أنكم لم تنطلقوا من وعي المسألة الإلهية في أبعادها الحقيقية التي لا تلتقي بالتجسيد المادي الذي يجعل الإله خاضعاً للحاجات الجسدية ،مفتقراً إلى عناصرها المادية ،فهو الذي] لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ[ [ الشورى:11] و] لاَّ تُدْرِكُهُ الاَْبْصَارُ[ [ الأنعام:103] وهو الذي تنطلق الفطرة من أعماق الإنسان لتلتقي به ،ويتحرّك الوجدان في بداهة العقل ليتحسس وجوده ،فيرى في كلّ خلق من خلقه دليلاً عليه وشاهداً على عظمته .
وربما كانت مسألتكم في ما تطلبونه من رؤية اللّه عِياناً ،أسلوباً من أساليب العناء والتعجيز لموسى ،لأنكم تعرفون أنه غير قادر على الاستجابة لطلبكم هذا ،لأنه طلب المستحيل ،لتبتعدوا بالبسطاء من النّاس عن وعي الإيمان في رسالة النبيّ ،من خلال الحالة الساذجة التي تلعبون عليها .] فَأَخَذَتْكُمُ الصَّاعِقَةُ[ التي أرسلها اللّه عليكم في برقها ورعدها وزلزالها ،للإيحاء لكم بأنكم إذا لم تملكوا حياتكم في مواجهة هذه الظاهرة التي هي خلق من قدرة اللّه ،فكيف تملكون النظر إليه سبحانه لو كان ذلك ممكناً .] وَأَنتُمْ تَنظُرُونَ[ مدهوشين مذهولين بالمستوى الذي سقطتم فيه صرعى من دون حياة ولا حراك ..