يذكر الله سبحانه وتعالى النعم التي أنعم بها على بني إسرائيل ، وكفرهم بها ، وبالله . ثم يذكر سبحانه تعنتهم في طلب الدليل رغم الآيات التي أراهم سبحانه وتعالى إياها ، ولكن المتعنت لا يقنعه الدليل مهما يكن باهرا ظاهرا قاهرا .
ولذا طلبوا عنتا وانحرافا وجهلا أن يروا الله تعالى جهرة ، وقد ذكر الله تعالى ذلك مبينا تعنتهم ، وتدللهم في كفرهم:{ وإذ قلتم يا موسى لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} أي اذكروا أيها الحاضرون في عهد النبي محمد صلى الله عليه وسلم ما فعلتموه ، وخاطبهم هم بذلك مع أن الذي فعله أسلافهم ؛ لأنهم يسيرون سيرهم ، ويفترون ويغترون مثلهم .
واذكروا ذلك الوقت الذي قلتم فيه ذلك ، وليس غريبا أن تقولوه الآن ، قالوا لموسى:{ لن نؤمن لك حتى نرى الله جهرة} أي لن نؤمن مسلمين لك ، مستجيبين لما تدعونا إليه ، حتى نرى الله جهرة ، أي حتى نرى الله تعالى رأي العين ، ولن لتأكيد النفي في المستقبل وقيل لتأبيد النفي ، والزمخشري وسائر المعتزلة يرون أنها دالة على الاستحالة ، أي استحالة استجابتهم حتى يروا الله عينا ولقد ضاهى قولهم هذا قول المشركين .
وإن الله تعالى لا يرى في الدنيا بإجماع العلماء قط ؛ لأن رؤية الدنيا تقتضي مكانا والله سبحانه وتعالى منزه عن المكان ، والأمر في الآخر أمر الله تعالى لا نعلمه إلا منه ، وهو عالم الغيب والشهادة ، وقد أجابهم موسى إلى ما يريدون فطلب من الله تعالى أن يراه ، ويروه ، كما ذكر تعالى أن ذلك لا يمكن في سورة الأعراف ، فلما تجلى ربهم أصابتهم الصاعقة ، فقال تعالى:{ فأخذتكم الصاعقة وأنتم تنظرون} . وقد فصل الله سبحانه وتعالى مسألة الرؤية وطلب موسى عليه السلام ، فقال تعالى:{ ولما جاء موسى لميقاتنا وكلمه ربه قال ربي أرني أنظر إليك قال لن تراني ولكن انظر إلى الجبل فإن استقر مكانه فسوف تراني فلما تجلى ربه للجبل جعله دكا وخر موسى صعقا فلما أفاق قال سبحانك تبت إليك وأنا أول المؤمنين ( 143 )} [ الأعراف] .
لما طلب بنو إسرائيل رؤية الله تعالى جهرة أي عينا ، طلب موسى ذلك من الله تعالى ليروا ما رأى ، وليعلموا ما علم ، وقيل إن الذين طلبوا ذلك هم السبعون الذين اختارهم موسى ليكونوا معه عندما واعده الله لميقاته الذين قال الله تعالى فيهم:{ واختار موسى قومه سبعين رجلا لميقاتنا . . . ( 155 )} [ الأعراف] فهم الذين حملوا موسى على أن يطلب رؤية ربه فطلبها عليه الصلاة والسلام ، ومهما يكن الطالبون فإن رؤية الله تعالى في الدنيا مستحيلة ، على ما أشرنا .
والصاعقة الأمر الشديد الهائل الذي ينزل من السماء نارا أو الذي يدك الجبال دكا ، وقد يترتب عليه أن يصعق الإحساس فيغشى على من يراه .
ومعنى قوله تعالى:{ فأخذتكم الصاعقة} أي أخذت ألبابهم ، ونفوسهم فلم يخشعوا وهم ينظرون إليها ، وقد أذهلتهم وذهبت بمشاعرهم فصعقوا كما صعق موسى إذ قال تعالى:{ وخر موسى صعقا . . . ( 143 )} [ الأعراف] .
وعلى ذلك يكون معنى أخذتهم الصاعقة أنهم غشي عليهم كما يذل على ذلك ما كان لموسى عليه السلام . ونرى أن القرآن يفسر بعضه بعضا ويبين بعضه الدلالة الواضحة لبعضه ، تعالى كلام الله سبحانه وتعالى:{ ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا ( 82 )} [ النساء] .
وقوله تعالى:{ وأنتم تنظرون ( 55 ) أي ينظرون إلى الأمر الذي هز مشاعرهم من دك الجبال دكا وهول ما وقع نتيجة لما طلبوا .