{يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ} في حاضر الواقع الذي يتحركون فيه ،وفي مستقبله ،فلا يغيب عن علمه شيءٌ منه ،مهما كان دقيقاً وخفياً ..
تلك هي مواقعهم التي تتميز بها ملامحهم الشخصية ،فلا يتجاوزون حدود مواقعهم أمام الله من خلال ما يعيشونه في داخل حياتهم الخاصة ،وما يتحركون به من العلاقات في حياة الآخرين ،فلا يتصرفون معهم إلا بما يعلمون أن الله يرضى عنه ،فلا يرون لأنفسهم الحرية في أن تتدخل العوامل الذاتية في ما يريدون أن يتقدموا به إلى الله ،من الشفاعة لبعض الخاطئين أو المنحرفين ،لأنهم يعرفون أن الشفاعة ليست حالةً ذاتيةً ينطلق بها المقرَّبون إلى الله ،ليستفيدوا من مواقع القرب في علاقاتهم الخاصة بالأشخاص ،ليقرّبوهم بعيداً عن الله ،كما يفعل الناس في الدنيا ،ليتقرب الناس إليهم بما يتقربون به إلى المقربين من الملوك والأمراء ،ليشفعوا لهم عنده ،فينفعلون بذلك في ما يتحدثون به إلى رؤسائهم ،في قضايا الامتيازات والشفاعات ،وما إلى ذلك ..
إن المقرّبين من عباد الله المكرمين ،سواء منهم الملائكة أو الأنبياء والأولياء ،لا يعيشون الذاتية في مشاعرهم ،بل يتمثلون في وجدانهم العنصر الروحي ،فهم يعرفون مواقع رضا الله فيتحركون فيها ،ومحال كرامة الله ورحمته فينطلقون إليها ،ويعلمون أن الشفاعة كرامة يريد الله أن يكرم بها بعض خلقه فيشفّعهم فيمن يريد أن يغفر لهم ويرحمهم ،لأنهم في الموقع الذي يمكن لهم فيه أن يقتربوا من رحمته ومغفرته ،ولذلك فهم يعرفون مواقع الشفاعة فيمن يطلبون من الله أن يشفِّعهم فيهم ،فلا يشفعون للكافرين والمشركين والمنحرفين الذين حاربوا الله ورسوله ،لأنهم ليسوا في المواقع التي يستحقون فيها الرحمة ،ولأنهم لا يشعرون بأية عاطفة تجاههم ،ولا بأية مسؤولية عنهم .
{وَلاَ يَشْفَعُونَ إِلاَّ لِمَنِ ارْتَضَى} من خلقه ،في ما يعلمونه من مواقع رضاه ،{وَهُمْ مِّنْ خَشْيَتِهِ مُشْفِقُونَ} حيث يتمثلون في أنفسهم الإحساس العميق بعبوديتهم لله ،فيخشون أن يخطئوا في كلمة ،أو حركة ،أو علاقة ،أو عاطفة ،أو موقف ،مما يمكن لله أن يحاسبهم عليه ،فهم في مواقع الحذر في مواقعهم من الله ،لأنهم لا يريدون لحياتهم أن تنفصل عن مواقع رحمته ورضاه .