{الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ بِالْغَيْبِ} لأنهم إذا لم يكونوا قد رأوه بعيونهم فقد عرفوه بقلوبهم ،وأحسوا به بوجدانهم ،وعاشوا معه في عقولهم ومشاعرهم ،وشاهدوه في كل آية من آيات عظمته ،حتى أنهم يقفون أمامه وجهاً لوجه ،في إحساس عظيم بحضوره في حياتهم كأقوى ما يكون الحضور ،وفي التزام كبير بالخط المستقيم الذي يؤدي إليه ،كأعمق ما يكون الالتزام ،في شعور بالخوف والخضوع والرهبة ،وتعبير صارخ بالعبادة والابتهال ،{وَهُمْ مِّنَ السَّاعَةِ مُشْفِقُونَ} فكأنهم ينتظرون حلولها بين لحظة وأخرى ليواجهوا عندها مسألة المصير بين يدي الله ،في النتائج الإيجابية والسلبية للحياة التي عاشوها من قبل .
وهكذا عشنا في هاتين الآيتين مع موسى وهارون ،قصة الكتاب كيف تحرك في تأثيره الإيجابي على الوعي والحياة ،وقصة المؤمنين به الذين عاشوه نهجاً للفكر وللعمل ،فالتقوامن خلالهبالالتزام في الخط ،وبالإيمان بالله من أقرب طريق .
ثم يطل تعالى في كتابه الكريم على المسلمين ليذكرهم بهذا الكتاب الذي نزل عليهم ضياءً وذكراً وفرقاناً بين الحق والباطل ،من أجل أن يتخذوه دليلاً على كل ما يواجههم في الحياة من أحداث وقضايا ومشاكل ،ويلتزموا أحكامه ومفاهيمه ،ويسيروا في خط شريعته .